الفوز باستضافة المونديال .. هو حلم كل الدول .. وقد أبهرت قطر العالم بالاستضافة .. فقد أبدعت بالاهتمام والإعداد .. وكانت محط أنظار العالم .. فوجد الغربي والشرقي .. والأفريقي وغيره .. من أجناس العالم نفسه .. وعاش ثقافة وسلوكيات .. كان يسمع عنها فقط .. فأدرك الحقيقة .. وأدرك كم الافتراء والتزوير .. عن ثقافة الإسلام والمسلمين والعرب.
ولم يعد كأس العالم مجرد حدثا رياضيا وحسب بل تجاوز ذلك الى كونه تظاهرة ثقافية وسياسية، فعندما يعقد في بلد عربي مسلم ينتمي أهله الى أمة تؤمن بمنظومة دينية وثقافية واجتماعية غير تلك المنظومة التي تحتكم اليها قوى الهيمنة العالمية، وكان يعتقد أنها وحدها من تملك المعيار المطلق لفرض قيمها الخاصة على شعوب العالم، وأن الآخرين ليسوا على شيء من القيم والثقافة التي تملك الأهلية للتعبير عن نفسها،
أدى ذلك إلى استعادة ثقافة الفخر والعزة والاعتزاز بالهوية عندما استطعنا ورأينا نظرة التقدير ورأينا بأعيننا الانبهار.
قطر واجهت التحديات:
عند إعلان فوز قطر باستضافة مونديال 2022 قد كانت هناك الكثير من التحديات
فهي كدولة صغيرة جدا (وإن كانت غنية جدا) مع القليل من التاريخ الكروي، ولا يوجد لها سجل للتأهل لكأس العالم على الإطلاق، ومن ثم كانت صدمة للكثيرين عندما فازت قطر على كل من الولايات المتحدة وأستراليا وكوريا الجنوبية واليابان في عرضها لاستضافة هذا المونديال.
وتقام بطولة كأس العالم عادة في شهري يونيو ويوليو، ولكن في قطر يبلغ متوسط درجات الحرارة في ذلك الوقت من العام حوالي 41 درجة مئوية، ويمكن أن تصل إلى 50 درجة مئوية، وهو جو حار جدا بحيث لا يمكنك الخروج بأمان، ناهيك عن لعب كرة القدم لمدة 90 دقيقة على الأقل.
ولكن لابد لنا الآن بعد الانتصار على هذه التحديات من التذكير بأن قطر لو أن أنفقت ما أنفقته في تنظيم كأس العالم في الصرف على وسائل إعلام داخلية وخارجية للتعريف بها وبمنجزاتها لما حققت من الشهرة ما حققته بتنظيمها لكأس العالم والصرف عليه فأهمية الإعلام أنه قوة ناعمة، وتنظيم كأس العالم كان بمثابة إعلام سخر لخدمة قطر والثقافة العربية، وبالتالي فقد تعرف عليها حضورا أو عن بعد كل هؤلاء الذين يقدر عددهم بأكثر من خمسة مليار شخص.
الكرة والإدارة:
وكأس العالم رغم أنها لعبة تدار بكرة مستديرة إلا أن لها فلسفة خاصة، وهي لغة الصراع والتخطيط والتكتيك للوصول للهدف والانتصار عبر اختراق شباك الخصم،
فكل فريق مكونا من أحد عشر لاعبا، حارس مرمى يدافع ومعه كتيبة مشكلة من عشرة أفراد، سواء كانت الخطة يرمز لها بأرقام 4:3:4 أو غيرها إلا أن فيها الكثير من التخطيط والتكتيك كما ذكرنا، قد أعد جيدا بإدارة المدرب مع وجود حكم ومعه مساعدين راية، ويجتهد هذا الحكم لاتخاذ القرار الصائب، والحكم الصحيح، ولعبة الكرة أعمق من ذلك؛ ففي حالة التسلسل أو ما يسمى بالأوفصايد لا يحتسب الهدف هدفا رغم أنه اخترق الشباك، وكأن اللعبة تقول لنا لا تأخذوا بظاهر الأمور فربما تكون الفكرة لامعة ولكنها أوفصايد أو تسلل.
وكل الأفكار الباطلة هي لا تعدو كونها أوفصايد أو تسلل، وتحتاج حكما وحاكما يعرف الصحيح!
وعودة لمونديال قطر فسنذكر في هذا المقال أهم الإيجابيات والتداعيات له والتي تتمثل فيما هو آت:
إيجابيات مونديال قطر:
شعوب تعرفت علينا وتعرفت على ثقافاتنا وانبهرت بسلوكياتنا، فكان استفتاءا حقيقيا للتعريف بالهوية الحقيقية للشعوب العربية التي تتجاوز كل سياسات الحجب ومحاولات الخداع التي تمارسها القوى المهيمنة التي تحتكر تمثيل صوت هذه الشعوب.
فقد أظهر المونديال عمق الرفض الشعبي العربي للكيان الصهيوني، وعمق مشاعر الانتماء إلى فلسطين عبر رفع علم فلسطين في كل مكان وهو ما عزز مكانة هذا العلم بأنه رمز عالمي للنضال من أجل الحرية، وقد ظهر الصحفيون الصهاينة منبوذين أينما وجدوا إلى أي مكان يجتمع فيه الشباب العربي، تطاردهم هتافات الحرية لفلسطين والصراخ في وجوههم أن لا مرحباً بكم، لقد رجع هؤلاء الصحافيون غاضبين يسألون قيادتهم أين هو التطبيع الذي بشرتمونا به، والعرب لا يزالون يحملون كل هذا القدر من العداء والرفض لوجودنا.
وقد ذكرنا المونديال أننا أمة تملك من القيم ما يستحق أن ندعو العالم إليه،
فعندما أراد البعض ترويجا للشذوذ عبر رفع شارة المثليين فأحتسب ذلك تسللا وتم منعه، وفي حالة الإصرار كانوا سيأخذون الكارت الأحمر.
وعندما تحدث مدرب منتخب البرازيل في مؤتمر صحفي يتابعه الملايين على الأقل عن مدى تأثره بموقف الشاب العربي المجهول الذي ساعد في حمل حفيده إلى محطة القطار، نحن فقط من يعلم أن هذا الموقف طبيعي ويفعله أكثرنا بتلقائية دون أن يشعر أنه يستحق الذكر، وهذه هي قيمة الموقف، أنه كان عفويا فكان معبرا بصدق عن قيمنا الدينية والاجتماعية.
ومن الممتع استماع بعض اللاعبين لصوت الاذان ورؤيتهم خروج الناس من المساجد في تؤدة وهدوء ثم الاندماج في مشاغل الحياة قد أبهر البعض حتى سمعنا (رونالدو) لاعب البرتغال الأشهر يصرح سأقرأ عن الإسلام.
أواصر الأخوة بين الشعوب العربية
وقد أظهر المونديال قوة أواصر الأخوة بين الشعوب العربية، لقد شعرنا جميعا أننا لسنا إلا شعبا واحدا وأن الحدود القطرية لا تعني شيئا في عمق شعورنا النفسي بالانتماء إلى هذه الأمة التي تدين بدين واحد وثقافة واحدة ويجمعها تاريخ واحد ونتحدث بلغة واحدة.
اشرأبت أعناقنا جميعا لتشجيع أي فريق عربي في مواجهة أي فريق غير عربي، ودعونا من أعماق قلوبنا بالفوز للفرق العربية المشاركة، لأننا شعرنا أن أي فريق عربي يمثلنا جميعا.
وكشف الفرح العربي المشترك بعد كل مباراة يفوز فيها فريق عربي كم نحن عطشى للفرح والفوز حتى لو عبر تحقيق حلم رياضي.
فقد كنا وصلنا لفكرة أن كرة القدم ماهي إلا ملهاة للشعوب عن القضايا الحقيقية، لكننا الآن فقط بعد هذا الفوز الحقيقي وعبر ما استطعنا إنجازه يمكننا إعادة النظر للمسألة بطريقة أكثر إيجابية؛ لماذا لا تكون مشاعر الفرح والأمل والوحدة التي حققتها كرة القدم دافعا لاستثارة القوى الإيجابية في نفوس الناس ومنحهم وقودا للتغيير في الميادين الأكثر جدية؟
فقد كان وصول الفريق المغربي للمربع الذهبي إنجازا كبيرا من جهة ومن جهة أخرى فقد حققوا فوزا كبيرا في منظومة القيم عبر سلوكيات واخلاقيات لاعبيه كالذهاب الى الأمهات وتقبيلهم والاهتمام بهم قد جسم روح البنوة المرتبطة بالأصل فأظهر مشاعر الحب والاحترام البديهية عندنا وهو ما يفتقد عند الغرب.
حسن الإدارة والتنظيم
أيضا حسن الإدارة والتنظيم الذي فاق وتفوق كثيرا على أي مونديال سابق، من ترحيب وضيافة تمثلت في واجبات ضيافة في الشوارع متعددة، عبارة عن حلوى وقهوة وهدايا عربية، وكذلك الترتيب لسرعة الانتقال والتنقل بين الأماكن بترتيب غير مسبق، حيث استطاع الجمهور لأول مرة في تاريخ كأس العالم من مشاهدة كل المباريات مما أبهر الجمهور.
وكان من الجميل أيضا تلاقي الشعوب وتنحية الإعلام الغربي والأمريكي المزور جانبا مما سيجعلنا غدا نرى تداعيات وتداعيات أخرى ستدفع البعض لأن يقرأ عن صفات المسلمين والعرب بما يعيد حساباته التي تجعله يبحث عن الحق والحقيقة.
وهذه هي أهم التداعيات لمونديال قطر 2022