واقع الحد الأدني من الأجور
بين الواقع والوعود ..من يتقاضي الحد الأدني من الأجور فعليا؟
في خطوة لافتة، قررت الحكومة المصرية رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص إلى سبعة آلاف جنيه شهرياً، (ما يعادل 140 دولاراً تقريباً)، بدلاً من ستة آلاف جنيه، وسط تصريحات رسمية تؤكد حرص الدولة على تحسين أوضاع العمال، في ظل الغلاء المتفاقم وتراجع قيمة العملة.
ولكن على الرغم من أن القرار يبدو خطوة إيجابية، إلّا أن التجربة السابقة مع قرارات مماثلة تثير تساؤلات جدية حول مدى التزام القطاع الخاص بتنفيذها، وجدوى هذه الزيادة في تعزيز مستوى المعيشة للمواطنين في ظل غياب آليات رقابية صارمة تضمن التطبيق واستمرار الضغوط التضخمية.
وتعدّ هذه الزيادة هي السادسة منذ يناير/ كانون الثاني 2022، حين أُقر لأول مرة حد أدنى للأجور للعاملين في القطاع الخاص، بقيمة 2400 جنيه (الدولار = نحو 50.7 جنيهاً)، ثم زيادته تدريجياً إلى سبعة آلاف جنيه اعتباراً من مارس/ آذار المقبل. وظل التنفيذ أمراً نظرياً أكثر منه واقعياً، إذ تشير شهادات العمال والنقابيين إلى أن أغلب الشركات والمؤسسات الخاصة لم تلتزم به، مستغلة ضعف الرقابة الحكومية والمرونة القانونية التي تسمح لها بالحصول على استثناءات من التطبيق.
وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد أعلن مؤخراً تطبيق هذه الزيادة قبل شهر رمضان، ضمن حزمة اجتماعية “جديدة واستثنائية” للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، ورفع قدرة العمال على مواجهة غلاء الأسعار والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها البلاد في الفترة الأخيرة، بعد تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، الذي يلزم الحكومة بتحرير أسعار السلع والخدمات الأساسية، وتطبيق سعر صرف مرن للجنيه مقابل الدولار.
واقع الحد الأدني من الأجور
لكن على أرض الواقع يقول الموظف في إحدى شركات التصنيع غرب الإسكندرية، محمد عاطف، “طوال السنوات الماضية، نسمع عن قرارات رفع الحد الأدنى للأجور، ولكن رواتبنا لم تزد جنيهاً واحداً، لأن الشركة لم تلزم ذاتها بهذه القرارات، بحجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة”.
ووفقاً لقرارات المجلس القومي للأجور، يمكن للشركات التي تواجه “ظروفاً اقتصادية صعبة” التقدم بطلب استثناء من تطبيق الحد الأدنى للأجور، وهو ما فتح الباب أمام تحايل واسع، إذ تستغل العديد من الشركات هذا الاستثناء كغطاء لعدم الالتزام.
كما يوضح الباحث الاقتصادي أحمد سامي.. رغم أن الدولة تتبنى خطاباً يدّعي الحرص على العمال.. ولكنها في الوقت ذاته لا توفر لهم أي حماية حقيقية.. أيضا فالجهات الرقابية ضعيفة.. وعقوبات عدم الامتثال للحد الأدنى للأجور غير رادعة.. كذلك والشركات الكبرى تمتلك نفوذاً .. حيث يسمح لها بتجاهل القرارات من دون عواقب.
كذلك وتابع سامي:.. “في ظل الارتفاع المستمر في معدلات التضخم.. كذلك وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين.. تبدو الحاجة إلى تطبيق فعلي لقرارات رفع الحد الأدنى للأجور.. أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.. ولكن ما لم يكن هناك ضغط حكومي حقيقي.. أيضا على القطاع الخاص.. فإن هذه القرارات ستظل مجرد وعود.. للاستهلاك الإعلامي.. ذلك دون أن تنعكس على أرض الواقع.. أيضا في حياة العمال وأسرهم”.