في نعيها نتذكر هذه السيدة العظيمة .. التي نشأت في بيت أسس على مبادئ وقيم الإسلام .. حيث كان والدها ومربيها .. هو الامام المؤسس الشهيد حسن البنا .. فكانت هي الابنة الثانية له .. وكانت سيدة جميلة الخلق .. تتسم ببشاشة الوجه .. درست بمعهد الدراسات الاقتصادية .. قسم التدبير المنزلي .. ومن أعمالها شرح رسائل الامام الشهيد.
نشأتها وتربيتها على يد الإمام البنا
نشأت في منزل مصري كسائر البيوت المصرية، إلا إنه كان يتمتع بالسمت الإسلامي؛ حيث يتم يتبادل الهدايا والكعك في الأعياد، وتبادل الطعام بين الجيران هو أمر طبيعي جدا
كان والدها أبا حانيا جدا، فكان من المعروف في منزلهم أن الأم هي التي تعاقب أما الأب الإمام كان هو من تستجير به؛ فتختبئ تحت مكتبه، وكانت تحبه لدرجة أنها لا تريد أن يتضايق منها، حبا واحتراما وليس خوفا، أب لم يتعامل مع أحد من أولاده يوما بقسوة.
كان رحمه الله يقوم بإطلاق أسماء للدلع لأبنائه جميعا، وكان يتركهم يقومون بإطلاقها عليه.
كان هناك توازن في التربية، الابنة الكبرى كانت هي سكرتيرته الخاصة؛ لأن والدتها كانت مشغولة جدا ومريضة بالقلب أيضا، وكان عبء الدعوة على والدتها، حيث ضيوف المركز العام كانوا يرسلون الطعام إلى البيت بالصناديق وتقوم هي بطهيه.
أما عن التمييز فلم يكن هناك تمييز بين الولد أو الفتاة، لا من الوالد أو الوالدة، حتى في العقاب ليس هناك تمييز، وقليلا ما كان يعاقب، ولا بد أن يكون هناك شيء كبير أو شيء قد نبههم بخصوصه، فإذا أخطأوا فيه فلا بد من العقاب “سياسة الثواب والعقاب”
التربية على العبادات
كانت تربية ومنهج الإمام قائمة على التيسير والتدرج في كل شيء، فمن صغرها وكانت تصلي بجانب والدتها بفاتحة الكتاب وقصار السور، وفي يوم حضر والدها إلى المنزل ووجدها لا تصلي، فتعجب وسألها عن السبب، فأخبرته إنها لا تحفظ التحيات، ولا تريد أن تصلي بدونها، لكنه قال لها أن تصلي بالفاتحة بدلا من التشهد، وقال: “الفاتحة تجزئ”.
وكان هذا أسلوبه حتى في الفرائض الشرعية، فكما نزلت على المسلمين مبسطة وعلى عدة مراحل، لم يكن يفرضها على أولاده دفعة واحدة.
التربية بالتقويم الذاتي
رحمه الله كان توجيهه عن بعد، كان أحد أولاده يحب قراءة قصص “أرسين لوبين” فلم يقل له لا تقرأها، بل ذهب وأحضر له قصص الأمجاد الإسلامية والعربية، أمثال عنترة بن شداد، وصلاح الدين وغيرهما، حتى إنه بعد فترة كان من الطبيعي أن يترك “أرسين لوبين” ويتوجه إلى هذا النوع من القراءة، فقد كان يوجه عن بعد ليكون العمل الذي يقومون به نابعا من داخلهم وليس منه هو ومن أوامره.
التربية على الاهتمام بالشأن العام
كان دائما هناك تفاهم في منزل الإمام، يشوبه أحيانا ما يمكن أن يقال عليه حزن أكثر منه غضب ففي عام 48 وكان الإخوان في حرب فلسطين فخرج الإمام من غرفته، وكانت والدتهم في الصالة تقوم بعمل الكعك (الخاص بالعيد) ومعها عماتهم وجدتهم فنظر إليها قائلا تريدين عمل كعك وأنا اثنا عشر من أبنائي استشهدوا في فلسطين” ونادى على أخ كان يساعدهم ليرفع الكعك والعجين وما كانوا يفعلون، ومن يومها لم تقم والدتهم بعمله بعدها أبدا، حتى بعد استشهاده.
معايشتها للمكيدة ضد الإمام البنا
في الفترة الأخيرة قبل استشهاده ومع اشتداد الحديث حول محاولة قتله فمرات يخبرونهم أنهم سينسفون البيت إلخ، فكان يتعجب ويقول: أكل هذا من أجل قتلي أتتآمر الدولة كلها من أجل قتلي يكفي أن يرسل شاب صغير ليطلق علي رصاصتين من ظهري وانتهى الأمر، وأكثر ما كان يؤلمه وقتها هو اعتقال الإخوان وكان يقول فيما معناه إنه يسمع صراخ وبكاء أطفال الإخوان في أذنيه؛ ولذلك كان مستعدا لعمل أي شيء لإخراجهم حتى إنه في آخر مرة لما كانوا يقابلونه في مركز الشبان المسلمين أخبرهم أنه سوف يذهب إلى منزل الشيخ النبراوي الذي كان يبلغ وقتها من العمر حوالي سبعين عاما فذهبوا إلى عزبة الشيخ النبراوي ودمروها تماما ثم وصلوا للإمام عن طريق الليثي وأخبروه أن شيخ الأزهر المراغي وقتها يريده في جمعية الشبان المسلمين، وكانت هذه المكيدة التي دبروها لاغتياله.
ويوم إستشهاد الإمام بالنسبة لها هو يوم لا يُنسى ولا ينمحي من ذاكرتها أبدا فيومها حُوصر الشارع بكتيبة وأخذوا أسماء الناس القاطنين في الشارع ولا يدخل إلا من يسكن في الشارع فقط، أما في البيت ورغم أنه كان آيلا للسقوط أصبح على السلم كله حتى السطح عسكري على كل سلم وفوق السطوح مليئا بالعساكر، ثم ذهبوا لوالد الإمام وطلبوا منه أن يأخذه من القصر العيني للمقابر مباشرة، فرفض وأصر أن تراه زوجته وأبناؤه قبل دفنه فأخذه إلى المنزل، وكان وقتها الساعة الواحدة ليلا.
في هذه الأيام كانوا على غير عاداتهم مع ما يجرى من أحداث وشعورهم بقرب إستشهاد والدهم، يتأخرون في النوم ليلا وعندما ما طلب جدهم أن يفتحوا شعرت والدتها أن الإمام إستشهد فقالت (قتلوه) وبدأت في البكاء، فطلب منها الجد أن تصبر وأن تحتسب وكان صابرا محتسبا.
امرأة صبورة تلك التي تربت هذه التربية العظيمة على يد الإمام الشهيد البنا
وقد قامت جماعة ” الإخوان المسلمون ” بنعي الحاجة سناء التي وافتها المنية يوم الأربعاء بالقاهرة عن عمر يناهز ٨٥ عاما؛ وذلك بعد صبر طويل على المرض.. جعله الله رفعا لدرجاتها.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمدها بواسع رحمته؛ وأن يسكنها الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.