فقه الجهاد المعاصر (5)
في ظل الحرب الصهيونية على غزة وأهلها- والتي خلّفت عددا من الشهداء بلغ 27 ألفا و478 فلسطينيا .. بينما بلغ عدد الجرحى 66 ألفا و452.
قال ابن تيمية – مثلاً -: “بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة”. وقد لوحظ في نص الرحيلي ترتيبات ما قبل الدولة القومية، ولكن الإشكال ينشأ – مجددًا – حول كيفية تنزيل هذا الوجوب في ظل دول اليوم، وهو ما لم يعالجه – أيضًا – الشيخ الكويتي فيصل بن قزاز الجاسم الذي تصدى للرد على الرحيلي لإثبات أن وجوب الجهاد يتناول دول الطوق أيضًا، ولكن هل يتناول ذلك الحكومات أم عموم الأفراد أيضًا؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك في حروب اليوم؟
من الغريب أنّ الرحيلي لم يتنبه إلى أنّ الواقع اليوم أننا أمام عدوّ “محتل”، فكيف يُعتبر الجهاد لدفعه جهاد طلب؛ رغم شدة وضوح المسألة في الفقه وفي القانون الدولي، ولاسيما أن الرحيلي يحتكم – في تنزيله للحكم على الواقع – إلى إكراهات الدولة القومية ونظمها، وإلا فكيف يمكن اعتبار جهاد مَن هو مِن خارج الدولة المعتدى عليها لدفع العدوان عن دولة إسلامية أخرى “جهاد طلب”،
ومعلوم أن جهاد الطلب يكون فيه المسلم طالبًا لا مطلوبًا، ويهجم فيه على أرض العدو؟ لا يمكن اعتبار ذلك جهاد طلب إلا لو احتكمنا إلى منطق الدولة القومية وجنسيتها المحدودة بحدود قومية.
فقه الجهاد المعاصر (5)
أما الموقف الثالث، فإنه – أيضًا – لا يقدم فتوى؛ بل إن كثرة تفريع صاحبه لأحكام جهاد الدفع وصوره اليوم؛ نأى بتعليقه عن أن يكون فتوى؛ لأن بازمول لا يوضح أي حال من تلك الأحوال الثلاثة تنطبق على ما يجري في غزة تحديدًا. فهل ما يجري اليوم هو مواجهة من باب دفع الصائل؟
أم أنه يندرج ضمن الحالة الثالثة التي تمكن العدو فيها من البلاد واستقر فيها؟ ثم إن كان كذلك فهل تنطبق على غزة الصورة الأولى التي لا صلح فيها، أم الصورة الثانية التي فيها صلح؟. الأمر متروك – إذن – لفهم كل قارئ واجتهاده في تنزيل تلك الصور على الواقع.
يميز فقهاء ما قبل الدولة بين ثلاثة مفاهيم رئيسة:
الأول: دفع الصائل أو المعتدي الذي يعتدي على النفس أو العرض أو المال.
والثاني: جهاد الدفع، حيث يهجم العدو على بلاد المسلمين، وههنا يميزون – كذلك – بين ما قبل المواجهة وبين لحظة المواجهة التي تنطوي على عنصر المفاجأة فتسقط فيها الشروط.
والثالث: جهاد الطلب الذي يكون فيه المسلمون طالبين لا مطلوبين، وتكون المعركة على أرض العدو. ولكل حالة أحكامها وتفاصيلها في أحكام فقهاء ما قبل الدولة، ولكن مدار الإشكال اليوم على كيفية استثمار هذه الأحكام في سياق الدولة القومية وفي تنزيلها على وقائع بعينها.