غسان كنفاني المقاومة بالكلمة
لطالما كانت الثقافة المقاومة والأدب المقاوم سلاحاً بيد الشعوب المقهورة التي تعرضت بلادها للغزو وتاريخها للطمس، والتي تُعد القلعة الأخيرة لحماية تراثها وتاريخها وثقافتها من الطمس والتحريف ودفاعاً عن وجودها وحقها في الحياة بحرية وكرامة، واستنفار الجماهير وحضها على المقاومة.
ولطالما وجد الرصاص طريقه إلى المُبدعين لوضح حدٍ لأصواتهم التي يعتبرها الجلاد خطراً لا يقل خطورة عن باقي أشكال الكفاح الأُخرى، وفي حياة شعبنا وتاريخه الطويل في المقاومة ومقارعة أعتى الاحتلالات في التاريخ، كانت الكلمة والأدب والثقافة المقاوِمة سلاحه في الرد والمجابهة واستنهاض الهمم.
وكان غسان كنفاني أحد القامات الشامخة التي آمنت بأهمية الكلمة وتحويلها إلى سلاح مقاوم، وغسان ابن جيل النكبة الذي شهد على ضياع الوطن وتحوّل شعبه إلى لاجئ منكوب وحفرت هذه المرحلة عميقاً في وجدانه ولم يجد هذا المبدع غير قلمه ليقاتل به مبكراً، إذ ولدَ أدب غسان من رحم النكبة والهزائم فكان قدره أن يكون أديباً مقاتلاً ومشتبكاً على الدوام وكأن المرحلة قد اختارت غسان وأنجبته ليرفع لواء الأدب المقاوم الذي عاصر النكبة وواكب رحلة الضياع وشهد ولادة الثورة.
غسان كنفاني المقاومة بالكلمة
رغم مرور قرابة سبعين عاماً على ولادة أدب غسان إلا أنه ظلّ محافظاً على نصاعته وألقه وتحدّيه لأية مرحلة مهما كانت مجافية.
لقد استلّ غسان قلمه منذ بدايات خمسينيّات القرن العشرين وقرر أن يجدف به عكس المرحلة .. ذلك لأنه يؤمن بأهميّة الأدب المقاوم .. وأنّ الكلمة ستمضي وتشُق طريقها إلى أن تجد في يومٍ ما من يلتقطها ويحولها إلى سلاح.. أيضا فكانت كتابات غسان منذ بدايات الخمسينيّات وحتى انطلاق الثورة أشبه برسائل البحر يكتبها .. كذلك ويلقي بها على هوامش الصحف والمجلات في ظل هزيمة عربية مدوية.. أيضا فكانت هذه القصص والمقالات الصحافية تستنهض الهمم وتقاوم الهزيمة وتسبح عكس التيار .. كذلك وتأخذها الأمواج من مكان لآخر وتقاوم أمواج الهزائم وثقافة الانكسار في تلك المرحلة.
كما لم يستسلم غسان وظلّ يكتب لأنه مؤمن أنّ كتاباته سيكون لها شأن عظيم في قادم الأيام .. كذلك وأنّ هذه الحالة من الهزيمة مسألة عارضة ولا بد حتماً أن تتبدل الظروف.. فكان أدبه يبشّر بالثورة ويحرّض عليها .. أيضا كان أشبه بغزال يبشّر بزلزال كما وصفه الشاعر محمود درويش.. فكتب سلسلة من القصص القصيرة والمقالات.. أيضا وكتب روايات “ما تبقّى لكم” و”رجال في الشمس” التي ما فتئت تحرّض بالقول “دقّوا جدران الخزان”… ثم جاءت هزيمة حزيران / يونيو عام 1967 ولم يلبث شعبنا أن دق جدران العالم معلناً ثورة عظيمة دفاعاً عن حقه في الوجود،.. لذلك كتب غسان عن “الرجال والبنادق” و”أمُ سعد” و”عائد إلى حيفا”، و”برقوق نيسان” و”العاشق والأعمى والأطرش”