عودة المماليك والبلطجة في مصر
أقدم شاب على قتل رجل ثمَّ فصل رأسه عن جسده، قبل أن يتجول في المدينة حاملا رأس الضحية في يد والساطور الذي استخدمه في قطع رأسه في اليد الأخرى، وكل ذلك أمام المارة وفي وضح النهار.
بعد القبض على الجاني، تبين لقوات الشرطة المصرية أن القاتل كان تحت تأثير مخدِّر “الشابو” الذي انتشر مؤخَّرا في البلاد، لكن “جريمة الإسماعيلية” الأخيرة ليست الجريمة الوحيدة التي حضر فيها ذلك المخدِّر.
ففي شهر يوليو الماضي، وقعت حادثة أخرى قتل فيها شاب والده بسلاح أبيض بعد مشادَّة كلامية بسبب إدمان الابن لمخدِّر “الشابو”. (1) وفي إبريل تجرد أب من مشاعره وقتل طفله الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره صعقا بالكهرباء بحجَّة عدم الانصياع لطاعته.
كذلك وفي الشهر السابق لتلك الحادثة، وقعت مذبحة بشعة في محافظة “قنا”،
حيث فتح شاب مدمن نيران سلاحه على أشقائه الثلاثة بعد خلافات داخل المنزل،
أيضا وفي أثناء محاولة ضبطه أطلقت قوات الشرطة رصاصها عليه فأردته قتيلا
بيد أن هذا المخدِّر، وأشقاءه من أصناف المخدِّرات المنتشرة في المجتمع المصري،
ليس سوى عامل “محفز” للجريمة التي تموج بها مصر. فبعد أقل من 5 أيام فقط على وقوع “جريمة الإسماعيلية”،
أيضا قتل أحد “المسجلين خطرا” زوجته ووالدتها بمحافظة “الفيوم” بسبب شكوكه في سلوكها واعتقاده بعملها في “البغاء”،
وذلك بعد 11 شهرا فقط على زواجه منها.
عودة المماليك والبلطجة في مصر
تنتشر جرائم القتل والعنف الأسري والتحرش والشرف في شتى ربوع مصر،
إذ كشفت دراسة صادرة عن جامعة عين شمس أن جرائم القتل العائلي وحدها تشكل نسبة الربع إلى الثلث من إجمالي جرائم القتل،
فيما أكدت دراسة أخرى “للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية” أن 92% من هذه الجرائم ترتكب بدافع العِرض والشرف،
فضلا عن العوامل الاقتصادية التي باتت من أبرز أسباب تضاعف معدلات القتل العائلي.
يطرح كلُّ ذلك أمامنا تساؤلات عدَّة حول زيادة معدَّل الجرائم ومرتكبيها في مصر،
أيضا وارتباط تلك الجرائم بتنامي ظاهرة “البلطجة” والتباهي بالسلوكيات الإجرامية العنيفة في شتى طبقات المجتمع.
يقترن صعود عالم الجريمة والعنف الإجرامي في مصر بتاريخها السياسي،
فلم تنتشر ظاهرة “البلطجية” بهذه الدرجة حتى بداية القرن العشرين، إذ تحولت “أعمال البلطجة” إلى وظيفة يمارسها كثيرون ويعتبرونها “مصدر رزق”
كذلك وسبيلا إلى الترقي الاجتماعي. ففي ظل تراجع الثقة في كفاءة الأجهزة الشرطية،
لجأ البعض إلى توظيف البلطجية لحلِّ المشكلات الخاصة (مثل النزاعات حول الأموال والعقارات والأراضي)، سواء بدوام كامل أو عبر الحساب بنظام الساعة،
التي يصل سعرها في بعض الأحيان إلى 500 جنيه (نحو 32 دولارا) أو أكثر. لكن اللحظة الفارقة لتحول “البلطجة” إلى ظاهرة اجتماعية-سياسية كانت
حين استعان النظام بهم لترويع المعارضين خلال الانتخابات البرلمانية، إلى جانب استعانة عدد من ضباط الشرطة ورؤساء المباحث بهم
ذلك لإرشادهم إلى الجرائم في عدد من المناطق التي يُقيمون بها كي يسهلوا عملية البحث.