رمضان شهر الصبر والثبات
أخرج أحمد والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يستقبل شهر رمضان : “وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة فمن فطر صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء”.
التصوير الأدبي في بلاغة التعبير النبوي الشريف في قوله: “وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة”، يدل على أن رمضان المعظم شرعه الله عز وجل؛ ليغرس في الإنسان قوة الإرادة وصدق العزيمة، والثبات على الشدائد والنوازل والصبر عليها، لأن من يصبر على ضرورات الحياة من ترك الطعام والشراب، الذي يحفظه من الموت والهلاك،
ويصبر على ذلك ثلاثين يومًا في كل عام، فإنه قادر على أن يصبر على الشهوات وليست ضرورية، وعن الكماليات وهي زائدة عن الضرورات، يمكن الاستغناء عنها بالضروري من الطعام والشراب، لأن من تسلح بغريزة الصبر التي ينميها الصيام في النفس،
يستطيع أن يتلقى النوازل والشدائد بصدر رحب، وأن يواصل السعي والعمل، وأن يطيع الله تعالى بالصبر والمرابطة والمصابرة، بإرادة قوية وعزيمة صادقة لكل أنشطة الحياة، وتأكدت هذه المعاني بصورة بلاغية أخرى، نبعت من أسلوب القصر والحصر،
رمضان شهر الصبر والثبات
فقد قصر الحديث ثواب الجنة على الصبر “والصبر ثوابه الجنة” عن طريق تعريف المبتدأ والخبر، فالمبتدأ وهو “الصبر” معرف “بأل” وجملة الخبر وهي “ثوابه الجنة” جاءت معرفة في المبتدأ الثاني وخبره أيضًا، فالمبتدأ بالإضافة “ثوابه”، وخبره معرف “بأل”، كل هذه المعرفات تقصر الخبر على المبتدأ، وهو قصر ثواب الجنة على الصبر، وتأكيده فلا يبرح عنه، قال تعالى: {إِنَّمَا يوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ، وقال أيضًا: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأمُورِ} ، وقال أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تفْلِحُونَ} .
كذلك التصوير البلاغي في روعة الأسلوب النبوي الشريف.. ذلك لقوله:.. “وهو شهر المواساة .. فمن فطر صائمًا كان مغفرة لذنوبه .. وعتق رقبته من النار”.. فقد عبر بصيغة المشاركة .. أيضا والمفاعلة في صورة “المواساة”.. ذلك للدلالة على أن الصيام يغرس في النفس شيمة لازمة.. حيث يتفاعل بها المسلم .. أيضا مع المحتاجين والفقراء طوال العام.. وفي عمره كله.. ذلك لأن الله أجرى حقوقهم على أيديهم.. فلا يصح أن يمنع حقهم في كل حين.. بل يواصل الإنفاق عليهم مما يعين على نماء المال وزيادته.. كذلك ثم دلالة المواساة الفعالة على معاني العطف .. أيضا والتراحم والتعاون والتكافل .. والتآخي والحب والمودة والعدل والمساواة والتواصل وغيرها.. لذلك كان الأجر عظيمًا وشاملًا.. فمن فطر صائمًا، وأعطى فقيرًا كفر الله عنه سيئاته كلها، بل أعتق رقبته من النار وجعله من أصحاب الجنة،