تعرف على مركزية القدس
“القدس عاصمة فلسطين السياسية والروحية ١٩٠٨- ١٩٤٨” … بحث يعكس جهدا كبيرا ودؤوبا في التنقيب عن المعلومات وتوثيقها من مصادرها الأولية،… مثل السجلات الشرعية للبلديات والمحاكم الفلسطينية،… والصحف الفلسطينية والعربية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين…، فضلا عن الكتب والدراسات الكلاسيكية التي أرّخت لتلك الفترة.
كذلك الكتاب يصف ويؤرخ مركزية القدس في فلسطين والمنطقة في الحقبة الاستعمارية الانتقالية التي أسست للمشروع الصهيوني…. وتشمل فصوله العناوين التالية: “… حاضنتها الجغرافية”، “تحصيناتها”، “نشاطها العمراني”، …”سكانها”، “تشكيلاتها الإدارية وسيادتها”، …”إدارتها ومراكز القيادة والتحكم”، “الإجماع الشعبي المحلي”،… “الإجماع العربي والاسلامي”، “الإجماع الدولي”…. بالإضافة إلى ذلك هناك ملحق صور تنتمي إلى تلك الحقبة بما فيها صور لبيوت عائلة الوعري في حي البقعة في القدس…، وهي صور مثيرة يتجاور فيها الاعتداد بماض متجذر مع حزن مقيم بين شقوق الجدران.
تعرف على مركزية القدس
كذلك قد لا يبدو في أطروحة الكتاب الكلانية، حول مركزية القدس ما هو جديد، سواء أطلقنا عليها الوصف الحديث “عاصمة” أم لم نفعل. بيد أن الجدة هنا تكمن في غزارة المعلومات وتأريخ الجوانب التفصيلية للمدينة، بكثافة وتوسع، في فصول البحث المُتعددة، وهو ما تستحق عليه نائلة كل الاحترام على وقتها ومثابرتها.
بينما أن الإشكالية الأهم في الكتاب والتي تستحق وقفات نقدية أوسع من هذه الإشارة العابرة، وسوف تتقبلها نائلة بصدر رحب، …. تتعلق في غياب التأطير التحليلي والفكري الذي يموضع أطروحة “ازدهار القدس” في تلك الحقبة، اقتصاديا،… إعلامياً، عمرانيا، سكانياً، … سياسيا وسوى ذلك، في سياق المشروع البريطاني الاستعماري وسيطرته وخططه لتحويل فلسطين إلى وطن لليهود.
أي أن تطوير فلسطين وتحديثها كان يشتغل على التوازي مع الخط الاستعماري التكويني والناظم وهو نزع فلسطينيتها وتسهيل تهويدها، بما في ذلك القدس. “مطورو الازدهار” الأساسيون هم قادة الاستعمار البريطاني، اما الموظفون فهم فلسطينيون ويهود، والهدف تقديم خلاصة هذا الازدهار إلى اليهود. كان هناك وعلى وجه التأكيد ازدهار فلسطيني ذاتي ومستقل عن الاستعمار، وفي مجالات متعددة، لكنه كان جزئيا ولم يحتل قلب المشهد، وهو الذي احتلته وسيطرت عليه بريطانيا في الواجهة
والصهيونية في الخلفية.
د. محمود سعيد الشجراوي