الهجرة النبوية الشريفة أسست لحقوق الإنسان ولدولة الحرية والعدالة
ونحن نستقبل العام الهجري 1445، ونستعيد ذاكرة أحداث الهجرة النبوية وقيمها ودروسها في السيرة النبوية العطرة، علينا أفرادًا وجماعات وأمة إسلامية أن نُجدِّد مبادئ الهجرة المباركة في نفوسنا، ونتأمل في أحداثها ونحقق معنى – الرسول قدوتنا – ونستلهم منها المعاني والدلالات التي تنير طريقنا نحو المستقبل، ونحو التحرر الكامل من العبودية لغير الله في الاعتقاد والتصور، والفكر، والوجدان، والأعمال، والدعاء، والتوكل.
ليست الهجرة حدثًا محدود الزمان؛ بل مَعين يتجدد دائمًا في كشف جوهر دعوة الإسلام، وسنن الأنبياء، فما من نَبيٍّ إلا وأخرجه قومه من وطنه ظلمًا وعدوانًا، وهي سنة في المصلحين والدعاة مع المتجبرين والطغاة.
ليست الهجرة قصة تاريخية وَعْظية؛ إنما هي منهج إسلامي عملي في مقاومة الظلم، وإباء الضيم، ورفض الانصياع للباطل، وهي انتصار للعقيدة الإسلامية في أسمى آثارها: الإيمان، والحرية، وانعتاق الناس من المظالم.
إن الهجرة النَّبوية المباركة أسست للعدالة، والحرية والمساواة، وأحبطت العنصرية، وحاربت التمييز، فلما عاد النَّبي منتصرًا أخذ بيد بلال بن رباح الحبشي؛ ليتقدم مع الرسول على أشياخ قريش لكونه كان أسبق لقبول الحق، والانحياز للعدل والرغبة الصادقة في الحرية، فليس لعربي على أعجمي فضل ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح.
تضحيات غالية
ومع شهر يوليو تحضُرنا تضحيات غالية قدَّمها الشعب المصري من أجل حريته، واستقلال إرادته، وحفاظه على مكتسباته التي انتزعها في ثورة يناير المجيدة، والتي سمحت بفتح ثغرة في جدار الحكم العسكري المستبد، وتدشين مسار ديمقراطي جديد، استطاع معه الشعب أن يمارس حقه المشروع في اختيار أول رئيس مدني منتخب في سابقة تاريخية نادرة.
سفك الانقلاب دماء المصريين، في شهر يوليو 2013، شهر المذابح، كما لم يحدث من قبل. مذبحة بين السرايات 2 يوليو، ومذبحة سيدي جابر 5 يوليو، ومذبحة الحرس الجمهوري 8 يوليو، ومذبحة رمسيس اﻷولى 15 يوليو، ومذبحة المنصورة 20 يوليو، ومذبحتا المنصة والقائد إبراهيم 27 يوليو، ليؤكد بذلك نظام 3 يوليو 2013، أنه نظامٌ دموي منذ اللحظة الأولى.
لم تكن هذه المذابح موجهةً ضد فصيلٍ بعينه أو حزب بجماهيره، وإنما وجهت منذ اللحظة الأولى لجميع فئات الشعب، وخاصة، الذين شاركوا في ثورة يناير، ولا يمكننا أن ننسى مذابح الثورة المضادة في موقعة الجمل ومحمد محمود وبورسعيد والدفاع الجوي وماسبيرو.
منذ يوليو 2013، دخلت مصر دوامة من الانهيارات المتتالية على كافة المستويات: السياسية، والأمنية، والعلمية، والتعليمية، والريادية؛ فتقزَّم الدور المصري إلى الحد الأدنى، وتزايدت هجرة الشباب عبر المتوسط، وزادت فواجع المصريين في غرق أبنائهم، وتَلقَّى الأمن القومي المصري ضربات قاسية في ليبيا، والسودان. ولم يكن للسد الإثيوبي أن يصل لما وصل إليه إلا بفضل تخاذل هذا النظام، في محاربة هذا السد كتهديد وجودي على الدولة المصرية، وهو السد الذي سيقوض وزن مصر الاستراتيجي على المديين المتوسط والبعيد.
وعلى المستوى الاقتصادي انحرفت البوصلة بعيدًا عن التنمية الحقيقية، وانطلق سيل المشاريع الاستعراضية؛ وسقطت الدولة في مستنقع الاستدانة، ما سمح للدائنين من الاستحواذ على حصص أغلبية في شركات وطنية رابحة، خلال حملات بيع متتالية تشوبها الكثير من شبهات الفساد.
سيعود الوطن ملكًا للجميع
إننا اليوم وبعد عشر سنوات من الانقلاب ورغم كل الجرائم التي ارتُكبت، يحدونا الأمل بإمكانية زوال الانقلاب الغاشم وبعودة الشعب -بحول الله- إلي مكانه الصحيح قائدًا ومعلمًا، يمتلك إرادته وقراره ويختار حكامه، ويتنفس الحرية التي ضحي من أجلها (ويقولون متي هو قل عسي أن يكون قريبًا) (الإسراء: 51).