القرآن وبقرة بني إسرائيل
كيف فسر القرآن قصص بني إسرائيل مع البقرة؟
القصة القرآنية بوجه عام، قد شرَّحت النفس البشرية، وبينت جوانب انفردت بها عن جميع القصص البشري والسماوي السابق، سواء أوضحت ذلك في القصة بشكل بيّن، أو ضمنته ضمن الدروس والعبر التي تستخرج منها،
وهو ما لم يهتم ببيانه وإيضاحه المفسرون القدامى، للأسف، وإن بدا في بعض نظرات طفيفة منهم، وحاولت دراسات أكاديمية معاصرة، أن تقترب من ذلك، لكن دون الإفاضة والإحاطة الكاملة بذلك.
ولعل أول من لفت النظر إلى التأمل في الجانب النفسي في القصص القرآني من المعاصرين: الشيخ عبد الوهاب النجار، في كتابه: (قصص الأنبياء)، والكتاب كان مقررًا على طلبة الأزهر، وكتبت لجنة من علمائه تقريرًا ينتقد عددًا من الموضوعات في الكتاب؛ لأن المؤلف كانت له نظرات خاصة في بعض الأحداث.
عند حديث الشيخ النجار عن قصة بقرة بني إسرائيل، لم يذهب إلى ما ذهب إليه جمهور المفسرين.. أيضا من أن قتيلًا قتل من بني إسرائيل، وأن قريبًا له هو قاتله ليرثه، فذبحت البقرة وضرب بجزء من البقرة.. فأحيا الله الميت، فنطق باسم قاتله.
بل ذهب إلى أن الآيات تحدثت عن قصتين، قصة ذبح البقرة، وهو أمر تشريعي لهم عند أحداث القتل.. كذلك وهناك قصة أخرى، هي قصة قتيل قتل، ودليل ذلك قوله تعالى .. : (وإذ قتلتم نفسًا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون. فقلنا اضربوه ببعضها) البقرة: 73،72.
القرآن وبقرة بني إسرائيل
كما يرى النجار: أن القصة الثانية لم تكن ضرب الميت بجزء من البقرة المذبوحة.. بل تكون بإجلاس المتهم، والإتيان بجثمان القتيل من خلفه.. كذلك ووضع يده على وجهه بالضرب، فيوهم نفسيًا بأن الميت قد قام حيًا.. أو أنه لم يمت، فيضطرب نفسيًا عندئذ ويعترف بالجريمة.. أيضا وهو ما يقوم به بعض المحققين في العصر الحديث من مواجهة القاتل بجثمان قاتله.. ذلك من باب التأثير عليه وهزه نفسيًا للاعتراف، أو نظر المحقق له وقت رؤية الجثمان، ورد فعل وجهه.
أيضا من المفسرين المعاصرين الذين عنوا بدرجة ما بالجانب النفسي أحيانًا في تفسيره: الشيخ محمد متولي الشعراوي.. فقد كانت له لفتات مهمة، تدل على وقوفه على طبائع النفس البشرية في القصص القرآني.. ومن ذلك: عند تفسيره لقوله تعالى على لسان إخوة يوسف.. : (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضًا يخلُ لكم وجه أبيكم ثم تكونوا من بعده قومًا صالحين. قال قائل منهم: لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابات الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين) يوسف: 10،9.
كما يقول: إن من يفكر بالجريمة، حينما يكون من غير معتادي الجريمة، ولا مجرمًا بطبعه.. فإنه يتدرج في التفكير، من الأعلى للأدنى، لأن نفسه ليست نفس مجرم معتاد الإجرام.. لذلك فقد بدؤُوا بالحديث عن القتل، ثم تدرجوا لطرحه في أرض بعيدة عن أبيهم.. أيضا ثم انتهى بهم الأمر إلى اعتماد فكرة أن يوضع في بئر، ويأتي سيارة يأخذونه معه.. فيبتعد بذلك يوسف عنهم وعن أبيه، ثم يتوبون بعد ذلك.