الزلزال صنع القدير.. ..عزوجل، فإن الله سبحانه وتعالى حكيم عليم فيما يقضيه ويقدره،… كما أنه حكيم عليم فيما شرعه وأمر به وهو سبحانه يخلق ما يشاء من الآيات،… ويقدرها تخويفا لعباده وتذكيرا لهم بما يجب عليهم من حقه وتحذيرا لهم من الشرك به، ومخالفة أمره،… وارتكاب نهيه كما قال الله سبحانه: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)
وقال عز وجل: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
ولا شك أن ما حصل من الزلازل في هذه الأيام في جهات كثيرة هو من جملة الآيات التي يخوف الله بها سبحانه عباده….
وذلك ليعود العبد إلى ربه…، وينتبه لما خلق له …، ويعلم أن الدنيا قد تنتهي بغتة فلا تغره بمفاتنها، …وينشغل بها فيضيع وقت الاختبار، …وفي نفس الوقت وبالتوازي فهي لمن قضى نحبه فهو أجله ولكنها العبرة والعظة.
فما هو الزلزال؟
الزلزال هو اهتزاز مفاجئ وسريع للأرض بسبب تحرك طبقة الصخور تحت سطح الأرض،… أو بسبب نشاط بركاني أو صهاري….
وتقع الزلازل فجأة دون سابق إنذار،… ويمكن أن تحدث في أي وقت،… كما يمكن أن تؤدي إلى وقوع وفيات وإصابات وتلفيات في الممتلكات وفقدان المأوى وسبل العيش، وتعطيل البنية الأساسية الحيوية.
وترجع معظم وفيات الزلازل إلى انهيار المباني أو نتيجة لأخطار ثانوية كالحرائق وأمواج تسونامي والفيضانات والانزلاقات الأرضية وإطلاق المواد الكيميائية أو السامة”.
كذلك وقد تتسبب الزلازل في حدوث موجات بحرية ضخمة تعرف بـ (تسونامي)
وتحصل الزلازل على حافة القشرة الأرضية، …والتي تعرف بـ (الصفائح التكتونية) التي تتحرك ببطء على مدى فترة زمنية طويلة،.. وهذه الصفائح التكتونية هي التي تسببت في تكوين سلسلة من الجبال، مثل جبال الهيمالايا وجبال الأنديز.
.الزلزال صنع القدير
هل كل البلاد التي دمرت أهلها عصاة؟
ولما كانت الزلازل من الابتلاءات،… فإنه يجري عليها حكمة الله تعالى في الابتلاء،…إما بتكفير السيئات أو برفع الدرجات؛ ..فليس بلازم أن يكون الزلزال عقابا من الله للعصاة، فالله تعالى يمهل العباد جميعا،… ولو كان يعاقبهم بأعمالهم في الدنيا؛ ..لهلك كل من على الأرض جميعا،.. كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [النحل: 61].
كما أن في هذا الابتلاء دعوة إلى العودة إلى الله تعالى،.. وهو أنفع لدين العبد، كما أن في الابتلاء يشتد الناس في التمسك بالدين ويكثرون الدعاء لله،.. وفيه دعوة إلى التضامن الاجتماعي ومد يد العون للمنكوبين،… وفيه تحقيق وحدة المسلمين، وفيه إيقاظ لفكرة التسليم لأمر الله تعالى وضعف الجنس البشري،.. وأنه مهما أوتي من علم؛ …فهو عاجز أمام قدرة الله تعالى.
وكذلك فمن مات من المسلمين تحت انقاضه فهو شهيد،… وهي أعلى المراتب لاختبار مهما طالت مدته فهي قصيرة لا تساوي ساعة عند الله ثم الحصول على أعلى الدرجات وهذا هو المطلوب من هذه الحياة،… لكن يعي تلك الحقيقة ويدركها من يظل يقظا طوال وقت الامتحان متذكرا أن غرض الحياة الدنيا ما هو إلا فقط وقت اختبار وليست دار مستقر،… فلا ننتظر أن تظل كل حياتنا نعيم مقيم، فالنعيم ليس إلا في دار المستقر.
لماذا زلزال في هذا الوقت؟
فيا أيها القارئ الهمام هذا الوقت تحديدا وقت انتشار الفتن والمهازل،… فرأينا أقواما عارضت الحق وهو واضح كالشمس،… ورأينا أناس يصفقون للقاتل ويساعدونه،
ونظرنا آخرون يؤيدون الدم حتى يحصلون على منح إضافية من سلطان جائر،
وقد صمت القلوب قبل الآذان.. عندما بحت أصوات الحق العالية.. تعبر عن نفسها أن أفيقوا فمن يقتلون هم أصحاب الحق،… ومن يقتلهم هم السالبون للحقوق، …ولكن هيهات هيهات فقد ماتت الضمائر،… وصاحب ذلك انتشار الفسوق والجرائم والهرج والعنف،.. وتدنت الأخلاق وانهارت منظومة القيم.
الزلزال صنع القدير:
فكان لابد من إفاقة للجميع بزلزلة قوية،… تزلزل القلوب قبل الأرض،.. وتنبه أن استفيقوا فالله قادر وقدير وكبير (ليهلك من هلك عن بينة وليحي من حي على بينة)
فقد خلف الزلزال شهداء قد نجوا من الاختبار وهذه الحياة البائسة كثيرة الفتن،.. وتائبين أيضا قد استقبلوا آية الله بقلب سليم،.. فعاهدوه على الرجوع إلى الطريق المستقيم،.. وكذلك قد ترك هذا الزلزال وراءه عصاة قساة القلوب،.. ما عاد يوقظهم شيء في هذه الحياة،… فاستحقوا عقاب الله أو ينتظرون العذاب الأشد.
الزلزال لم ينقص من أجل:
كذلك فلكل أجل كتاب فمن مات فقد حان أجله لا محالة، ..فقد جاء الزلزال ليحقق غايات كتبت له، ..وليكون سببا ظاهرا للموت حتى لا تصاب العقول بالخلل بسبب موت كل هؤلاء في وقت واحد بلا سبب،… والأدلة على هذا كثيرة فقد سمعنا آلاف القصص التي عبرت عن هذا بوضوح فقد رأينا شخصا على سبيل المثال قد نجى من تحت الأنقاض ليذهب في زيارة أبنة له فيموت بعدها بيوم متأثرا باختناق نتيجة نار نشبت في منزلها، ورأينا من خرج سليما من تحت الأنقاض ليموت في نفس اليوم بحادث سير فما قضى الزلزال على روح كتب لها أن تظل نصف ساعة أو دقيقة.
معجزات من تحت الأنقاض:
كذلك قد سمعنا ورأينا بأعيننا رضع خرجوا من تحت الأنقاض بعد عشرة أيام في معجزة توقفت أمامها قواعد الطب الحديث والقديم، مسبب تعجبا كبيرا في الأوساط الطبية التي درست لسنوات أن الكبير لا يستطيع الحياة بعد اليوم الخامس بلا ماء على أي حال فما بالك برضيع يصيبه الجفاف بعد يومين من إخراج كثير بسبب المرض.
علاوة على ذلك فقد خرج من تحت الأنقاض كبار في السن بعد عشرة أيام أو خمسة عشر يوما أحياء، في حين خرج شباب لم يتحملوا العطش لمدة ثلاث أيام، كلها أدلة على أن الكوارث هي سببا لإنهاء أجل قد حل، وليست سببا أصيلا في إنهاء الآجال، فالعبرة بحلول الأجل وليست العبرة بحدوث المسبب.
وفي النهاية نجد أيها القارئ أن الزلزال صنع القدير، لحكم كثيرة لم نعلم منها إلا القليل، وهو الإفاقة والتخويف من ناحية، ومن ناحية أخرى اصطفاء لأشخاص أراد الله أن تنتهي اقامتهم على هذه الأرض بشهادة مشرفة، وإرجاع أخرين إلى الطريق المستقيم، وتعذيب للعصاة فاللهم الثبات وحسن خاتمة.