أيضا الذين عبروا والذين هبروا
كان النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يتحدث مع الصحابة، فجاء رجل من سكان البادية وسأله: ما الوقت الذي تقوم فيه الساعة؟ فاستمر عليه الصلاة والسلام في حديثه الذي كان فيه ولم يجبه، فتردد الصحابة فقال بعضهم: سمع النبي صلى الله عليه وسلم سؤاله فكرهه، وقال بعضهم: بل لم يسمع سؤاله، فلما انتهى عليه الصلاة والسلام من حديثه، شك الراوي قال: أظن أنه قال: أين السائل عن زمان الساعة؟ فرد عليه: ها أنا يا رسول الله، قال: إذا ضاعت الأمانة فحينها انتظر الساعة، فسأله: وكيف تكون إضاعة الأمانة؟ قال: إذا جعل الأمر المتعلق بالدين كالخلافة والقضاء والإفتاء بولاية غير أهل الدين والأمانات، فانتظر قيام الساعة، والمراد بالأمر بانتظارها الترقب، وأنها قريبة، وليس المراد القعود عن العمل.
الذين عبروا والذين هبروا
قال ابن بطالٍ: (قَولُه: ((إذا وسِّدَ الأمرُ إلى غَيرِ أهلِه)) مَعناه أنَّ الأئِمَّةَ قَدِ ائتَمَنَهم اللهُ على عِبادِه، وفَرضَ عليهم النَّصيحةَ لَهم؛ لقَولِه عليه السَّلامُ: ((كلكم راعٍ، وكلكم مَسئولٌ عَن رَعيَّتِه )) فيَنبَغي لَهم تَوليَةُ أهلِ الدِّين والأمانةِ للنَّظَرِ في أمرِ الأمَّة، فإذا قَلَّدوا غَيرَ أهلِ الدِّين، واستَعمَلوا مَن يعينُهم على الجَورِ والظلمِ فقَد ضَيَّعوا الأمانةَ الَّتي فرضَ اللهُ عليهم)
وقال ابن حَجَرٍ: (مناسَبةُ هذا الْمَتْنِ لكِتابِ العِلمِ أنَّ إسنادَ الأمرِ إلى غَيرِ أهلِه إنَّما يَكونُ عِندَ غَلَبةِ الجَهْلِ ورَفعِ العِلمِ، وذلك من جملةِ الأشراطِ)
وقال أيضًا: (الْمرادُ من ((الأمرِ)): جِنس الأمورِ الَّتي تَتَعَلَّقُ بالدِّين، كالخِلافةِ والإمارةِ والقَضاءِ والإفتاءِ وغَيرِ ذلك)
كذلك وقال علي القاري: (قال: ((إذا وسِّدَ)):…أي: أسنِد وفوِّضَ ((الأمرُ)) أي: أمر السلطةِ أوِ الإمارةِ أوِ القَضاءِ أوِ الحكومةِ ((إلى غَيرِ أهلِه)) أي: مِمَّن لَم يوجَدْ فيه شَرائِطُ الِاستِحقاقِ، كالنِّساءِ والصِّبيانِ، والجَهَلةِ والفَسَقةِ، والبخِيلِ والجَبانِ، ومَن لَم يَكُن قرَشيًّا ولَو كان من نَسلِ سَلاطينِ الزَّمانِ، هذا في الخَليفةِ.. كذلك وقِسْ على هذا سائِرَ أولي الأمرِ والشَّأنِ وأربابِ الْمَناصِبِ .. مِنَ التَّدريسِ والفَتوى والإمامةِ والخَطابةِ.. وأمثالِ ذلك ممَّا يَفتَخِرُ به الأقرانُ)
أيضا وقال ابنُ باز:.. (…: ((إذا وسِّدَ الأمرُ إلى غَيرِ أهلِه.. فانتَظِرِ السَّاعةَ)).. ذلك يَعني:.. إذا أسنِدتِ الأمور كالوِلاياتِ والقَضاءِ.. أيضا إلى غَيرِ أهلِها.. كذلك ودَلَّتِ الأحاديثُ الكَثيرةُ.. على أنَّ السَّاعةَ تَقومُ عِندَ فسادِ الزَّمانِ)