الدعوة تحنو وتجمع القلوب
يثير البعض تساؤلًا أو تشكيكًا مفاده أن الإخوان يتعالون على غيرهم من الجماعات،
وكأنهم وحدهم المسلمون وغيرهم مشكوك فى إسلامهم، وإن الإخوان يوالون من كان معهم،
كذلك ويعادون ويجافون من ليس معهم، إلى غير ذلك من ادعاءات حول ذلك.
وفى الرد على هذا التشكيك أسأل فأقول: هل يتصور أو يعقل أن يحمل هذه الروح من يبذلون كل الجهد لجميع المسلمين
كذلك على فهم واحد وتحت راية واحدة ليقفوا صفًا واحدًا ضد أعداء الإسلام؟
هل يمكن أن يسلك هذا السلوك من يقدمون أرواحهم وأموالهم ويتحملون كل أذى لتحقيق الخير للإسلام والمسلمين جميعًا دون منٍّ أو إشعار بفضل،
ولكنهم يرجعون الفضل فى كل ما يقدمونه لله سبحانه؟
هل يمكن لمن جعلوا الرسول صلى الله عليه وسلم زعيمًا وقائدًا لهم أن يحملوا هذه الروح وزعيمهم يقول فى حق المشركين الذين آذوه:
(رب اهد قومى فإنهم لا يعلمون) فكيف بنا مع إخواننا المسلمين؟
والحقيقة أن الإخوان والحمد لله ساروا من أول يوم بروح الحب والأخوة ولين الجانب والبعد عن تجريح الأشخاص والهيئات،
كذلك والصبر على أذى الغير، ودفع السيئة بالحسنة، وأذكر فى هذا المجال عبارة للإمام الشهيد كان يوجهنا بها فيقول:
(كونوا مع الناس كالشجر يرمونه بالحجر ويرميهم بالثمر) ولعل شعار:
(نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه) دليل واضح على الرغبة فى جمع كلمة المسلمين والبعد بهم عن كل خلاف أو فرقة…
والإخوان يحرصون على كسب القلوب قبل كسب المواقف.. ويتحرزون أشد التحرز فى إطلاق الأحكام على غيرهم بكفر أو فسق،
ولعل تصديهم لفكر التكفير وكتاب: (دعاة لا قضاة) للأستاذ الهضيبى رحمه الله دليل على ذلك،
ثم إن هذه الثقة الطيبة التى حازتها جماعة الإخوان لدى الجماعات الإسلامية على الساحة الإسلامية لخير دليل على بطلان هذا الادعاء والتشكي الذى لايخدم إلا أعداء الله،
وإذا فرض وحدث تصرف من بعض الإخوان مخالف لهذه الروح فيعتبر مخالفات فردية يلزم تصحيحها وليس خطأ للجماعة.
مخلصون لله لا يتسترون
ويثار تشكيك وليس تساؤلًا بأن الإخوان يتسترون بالدين وراء أطماع وأغراض دنيوية، ويسعون للحكم لمغانم أو مناصب،
أيضا ويزيد البعض فيتهم قيادات الإخوان بالعمالة لحساب بعض الحكومات أو الجهات المعادية للإسلام.
فبالنسبة لادعاء التستر بالدين وراء أطماع دنيوية أقول:
-وقد عشت فى ظل هذه الجماعة أكثر من أربعين عامًا – إن هذا ادعاء باطل لا أساس له،
وهو عادة من الاتهامات التى يثيرها الأنظمة الحاكمة فى بلادنا وأجهزة أمنها ضد الإخوان والعاملين للإسلام كمبرر أما الشعوب للبطش والتنكيل بهم بتلك التهمة المتكررة الممجوجة
(العمل على قلب نظام الحكم بالقوة) وكأن هذا الحكم كرسى صغير أو دلو فارغ يمكن قلبه بسهولة.
وليكن معلومًا أن هؤلاء لا يحاربون أشخاص الإخوان أو العاملين للإسلام، ولكنهم يحاربون الإسلام كدعوة واتجاه يخالف أهواءهم وأطماعهم هم وآخرون غيرهم ممن يعادون الإسلام.
الدعوة تحنو وتجمع القلوب
ثم إن المنطق البسيط يجعلنا نتساءل: إذا كان الإخوان أصحاب مطامع دنيوية ويتسترون بالدين لماذا يصرون على السير فى هذا الطريق رغم ما ينالهم فيه من مغارم كثيرة سجن وتعذيب وقتل وتشريد ومصادرة للأموال إلى غير ذلك؟ ألم يقتنعوا أن تسترهم بالدين لايجلب لهم مغانم دنيوية بل يجلب لهم البلاء والمغارم والمتاعب؟ وأن عليهم – إن كانوا حقًا يريدون الدنيا – أن يسلكوا طريق غيرهم الذين يحصلون على هذه المغانم بسهولة ويسر دون تعرض لشىء مما يتعرض له الإخوان كما تفعل الأحزاب الأرضية؟
إذا الحقيقة التى يجب أن يعلمها مثيروا مثل هذا الاتهام – إن كانوا يجهلونها أو يتجاهلونها –
كما أن الإخوان بعملهم وجهادهم لهذا الدين وإصرارهم على ذلك إنما يطمعون فعلًا فى مغانم كثيرة، لا يعدلها شىء من مطامع ومغانم الدنيا التى يشيرون اليها:
إنهم يطمعون فى رضوان الله ونعيم الله وجنات الله ومغفرة الله ورحمته والنجاة من عذابه وقد لبوا نداء الله لهم:
{يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون فى سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبة فى جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين}.
الدعوة تحنو وتجمع القلوب
هل يتصور لمن عاشوا عشرات السنين فى السجون والمعتقلات فى شظف من العيش
كذلك وسوء فى الغذاء والكساء والعلاج وينامون على حصير خشن من ليف النخل دون أن تلين لهم قناة،
أيضا وكان بوسعهم أن يعفوا أنفسهم من كل هذه المتاعب ويخرجوا من سجونهم لو أنهم تخلوا عن جماعتهم وأيدوا الحاكم الظالم؟
ولكنهم آثروا ما عند الله وظلوا رافعين الراية الله ضد الظلم والطغيان حتى يسلموها لمن بعدهم مرفوعة عالية،
هل يتصور لأمثال هؤلاء أن يكونوا طلاب دنيا ومطامع دنيوية أو مناصب أو غير ذلك؟ أنى لهم ذلك وهم يرون الموت أمام أعينهم عشرات المرات
كذلك ويرون إخوانهم يسقطون بين أيديهم قتلى نتيجة التعذيب؟ إذا كانوا طلاب دنيا هل يصرون بعد ذلك على مواصلة السير على نفس الطريق؟