الاختلاف بين الناس سنة كونية من سُنَن الله في الكون؛ فقد جعل الله عز وجل في الاختلاف سببا للتعايش.
هل هناك فرق بين الخلاف والاختلاف ؟
الاختلاف غير الخلاف …. فالاختلاف تباين وتنوع في حياة الناس ، أما الخلاف فهو تفرق السبل بين الناس كل يعتقد أنه علي صواب والآخرين مخطئين.
الله عز وجل جعل الناس مختلفين ومن أجل ذلك خلقهم ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفون ) ١١٨ سورة هود. إذن الاختلاف والتباين والتمايز بين الناس من سنن الربوبية في الكون ، ولأجل ذلك خلقوا ؛ ليتخذ بعضهم بعضا سخريا أي يحتاج بعضهم لبعض في حياتهم الدنيوية.
ما الحكمة من هذا الاختلاف ؟
لو أراد الله تعالى أن يخلقنا متشابهين إلى حد التطابق التام في كل شيء لفعل، لكنه خلقنا مختلفين في الشكل والطباع، وفى اللغة والاهتمام، وجعل لكل منّا صفاته التي تميزه عن الأخر شكلا وموضوعا، والهدف هو أن نتعارف ونتعايش، ونجبر نقص بعضنا البعض ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
ومع الإقرار بحقيقة الاختلاف بين البشر، إلا أنه تعالى لم يفرق بينهم إلا على أساس واحد هو «التقوى»، فالنبي يقول (لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى) ، وهذه من الصفات القلبية، حتى لا يمنح أحد لنفسه الأفضلية، لحسب، أو نسب، أو مظهر، أو علم، أو غنى ، فالله تعالى وحده هو الذي يملك ذلك ، بل جعل الإسلام نفسية المسلم فيها من التواضع وعدم التعالي ما يظهره في غاية الحياد والموضوعية (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلالٍ مُّبِينٍ قُل لّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ )، بل ويؤكد على ضرورة أدب الحوار( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) ، ويَنهى بشدة أن يتحول الحوار من أداة تعايش إلى أداة صراع ( وَجَادِلْهُم بالتي هي أَحْسَنُ)
هل لرأيان مختلفان أن يكونا على صواب ؟
وقد تختلف درجة الفهم في المسألة الواحدة، تبعًا لوعى وإدراك كل شخص، دون انتقاص من فهم أحد، كما في الواقعة الشهيرة، عندما كان الصحابة في طريقهم إلى بني قريظة، وقال لهم النبي: ( من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر، فلا يُصلينَّ العصر إلا في بني قُريظة ) ، فعندما قاربت الشمس على المغيب، انقسموا إلى قسمين، قسم قال: الوقت ضاق ويجب أن نُصلَّى، بعد أن نظروا إلى المعنى المقصود وهو الإسراع في السير لا حقيقة اللفظ، وقسم آخر قال: الصلاة في بني قريظة، متمسكين بظاهر خطاب النبي.
وعندما احتكموا في الرأي بعدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبسم، ولم يعنف أحدًا، وأقر الفريقين على اجتهادهما، هذا الذي أراد أن يصلى في زمان الصلاة، والذي رأى أن يصلى في مكان الصلاة، فلم ينكر على أحد منهما الأمر، حتى وإن كان خالف مقصده، وتقبل اجتهاده.
لذلك فإن تفسيق المخالف في الرأي، إما دليل جهل بإرادة الله في كونه أو لمرض في القلب ، الإمام مالك يقول: ( إذا رأيتم الرجل يدافع عن الحق فيشتم ويسب فاعلم أنه معلول النية فالحق أقوى وأوضح من أن تفعل ذلك لإظهاره).
إن الاختلاف لابد منه وهو كائن قديم ـ كان ولا يزال ـ يعيش معنا وينبغي أن نسلم به ونتكيف معه ونحاول تطويره والانتقال به إلى الحالة الإيجابية وأن يكون هدفنا جميعا البحث عن الحقيقة متسلحين بنقد الذات قبل الآخر سواء كان فكرا أو رأيا أو شخصا.
وللاختلاف آداب سوف نستعرضها في مقالات لاحقة فتابعونا فسوف نحاول أن نكون معكم وعند حسن ظنكم لنجمع أجزاء هذا الموضوع الشيق .