شهدت مصر تصاعدا للأسعار بشكل هستيري في عام 2021 أصبح يؤثر على الأسرة المصرية بشكل سلبي غير مسبوق ، وسجلت أسعار السلع الغذائية قفزات كبيرة هذا العام بالمقارنة بالعام الماضي، إذ تخطت نسبة الزيادة في بعضها 100 في المائة، نتيجة ارتفاع أسعارها في البورصات العالمية، في الوقت الذي تستورد فيه الحكومة أكثر من 60 في المائة من احتياجات البلاد الغذائية، كما اعترف السيسي بارتفاع أسعار الكهرباء، ويوجه لتعميم العدادات مدفوعة الخدمة مقدما .. ومن خلال هذا التقرير نتعرض بالتفاصيل لهذه الزيادات .
قفزات قياسية في أسعار الغذاء
تخطت نسبة الزيادة في أسعار بعض السلع الغذائية 100 في المائة، مثل الزيوت ، فقد تخطت زيادات أسعار زيت النخيل حاجز 100 في المائة، إذ ارتفعت من 11 ألف جنيه للطن في 2020 إلى أكثر من 22 ألف في نهاية 2021، فيما وصل سعر طن زيت عباد الشمس إلى 28 ألف جنيه، والذرة 23 ألف جنيه
وكشف تقرير صادر عن معهد المحاصيل الحقلية بمركز البحوث الزراعية، أن مصر تستورد زيوتا وبذورا زيتية بكميات تبلغ 5.7 ملايين طن سنويا، تقدر قيمتها بـ25.1 مليار جنيه (1.6 مليار دولار).
وأرجع التقرير الذي أعدته الباحثة سمر منير، هذه الفجوة إلى تراجع المساحات المزروعة بالمحاصيل الزيتية.
أما بالنسبة للأرز ، فقد ارتفعت أسعار الأرز هذا الموسم على غير المعتاد بمعدل 1000 جنيه في الطن، إذ يتراوح سعر الجملة للأرز الأبيض ما بين 6500 جنيه إلى 8 آلاف جنيه للطن بحسب درجة الجودة وحجم الحبة
وتتوقع شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية، أن يصل إنتاج الأرز الأبيض هذا العام ما بين 3.5 إلى 4 ملايين طن أرز أبيض، لافتة إلى أن هذا الإنتاج سيعزز المخزون الاستراتيجي حتى نهاية 2022.
أما السكر، يقول أحد كبار تجار السكر في مصر، لـ”العربي الجديد” إن أسعار السكر في مصر وصلت خلال أوقات سابقة في 2021 إلى 10700 جنيه للطن في أسواق الجملة ، كأعلى سعر مقابل 7 آلاف جنيه خلال الفترة نفسها من 2020 (أي بنسبة زيادة 53 في المائة)، قبل أن تنخفض إلى 10 آلاف جنيه مؤخرًا، نتيجة تراجع الطلب وزيادة المعروض بعد ضخ إحدى الشركات الاستثمارية 200 ألف طن في السوق المحلي.
وتقدر المساحة المزروعة بقصب السكر هذا العام بنحو 325 ألف فدان، بخلاف أكثر من 600 ألف فدان لإنتاج بنجر السكر، فيما يقدر حجم الإنتاج في مصر هذا العام بحوالي 3.2 ملايين طن، والاستهلاك 3.4 ملايين طن، وسيتم تغطية هذا العجز الموسم المقبل بعد دخول إنتاج مصنع القناة للسكر إلى الأسواق (400 ألف طن).
ويشير نقيب الفلاحين، حسين أبو صدام، إلى ارتفاع أسعار معظم السلع الغذائية نتيجة ارتفاعها في البورصات العالمية، إذ زادت أسعار الفول المستورد من 8 آلاف جنيه إلى 15 ألف جنيه للطن (88 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي)
أما الدقيق، فقد لفت المدير التنفيذي لأحد المطاحن، محمد علام، إلى ارتفاع الدقيق الشعبي من 5400 جنيه العام الماضي إلى 7 آلاف جنيه للطن حاليا (بنسبة زيادة حوالي 30 في المائة).
ويرجع علام أسباب الزيادة في تصريحات لـ”العربي الجديد” إلى ارتفاع سعر القمح في البورصات العالمية، نتيجة اتجاه الصين لتخزين كميات كبيرة تحسبًا لحدوث أي أزمة بسبب لتداعيات “كورنا”، بالإضافة للحرائق التي اندلعت في بعض الدول المنتجة للقمح.
أيضا اللحوم ارتفعت أسعارها من 130 جنيهًا في المتوسط إلى ما بين 150 و170 جنيها للكيلو، في حين تخطت أسعار الدواجن في بعض الفترات من 2021، حاجز 35 جنيها للكيلو بدلاً من 22 جنيها العام الماضي.
وزادت أسعار البيض بنسب تخطت 50 في المائة بعد وصول عبوة البيض (30 بيضة) إلى 50 جنيها، مقابل 33 جنيها العام الماضي، فيما وصل سعر البيضة في أسواق التجزئة إلى جنيهين. وأظهرت البيانات الرسمية، أن الحكومة تستورد أكثر من 60 في المائة من احتياجاتها الغذائية.
ارتفاعات في الأسعار لا تتوقف
وحذرت شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية من ارتفاعات جديدة في الأسعار، خاصة بالنسبة للسلع المستوردة.
وقالت الشعبة إن “التغييرات العالمية والأزمات التي شهدتها دول العالم المتمثلة في أزمة سلاسل الإمداد والطاقة والمناخ وارتفاع سعر الشحن والخامات، انعكست على الأسواق المصرية التي هي جزء من دول العالم”.
وأكدت أن أسعار السلع المستوردة شهدت زيادات تتراوح بين 20 و30% تأثرا بالزيادات العالمية في الشحن والخامات، مشيرة إلى أنه رغم وفرة المعروض من السلع، وحالة الركود التي تشهدها السوق المصرية منذ بدء جائحة كورونا إلا أن أسعار السلع تواصل الارتفاع .
حول هذه الأزمة قال متى بشاي، رئيس لجنة التجارة الداخلية بشعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية إن “أزمة الطاقة التي يشهدها العالم، وارتفاع أسعار الشحن والخامات، تسببت في ارتفاعات للأسعار في بعض القطاعات المعتمدة على الاستيراد بشكل كبير”.
وكشف “بشاي” في تصريحات صحفية أن هناك ارتفاعات غير مسبوقة في الواردات المصرية من الصين بسبب أزمة الطاقة التي شهدها العالم، مشيرا إلى أن ارتفاع تكاليف الشحن كان له أثره في إمدادات السلع الرئيسية وأسعار البضائع الاستهلاكية على مستوى العالم، ولا أحد يعرف على وجه اليقين متى سيتحسن الوضع أو ما إذا كان سيتفاقم.
وأكد أن أسعار البضائع الواردة من الهند وأوروبا شهدت زيادة نحو 100%، وكذلك البضائع الواردة من الصين شهدت زيادة نحو 300%، وأرجع ذلك إلى زيادة أسعار الشحن من الخارج من ناحية، ووجود أزمة في الطاقة من ناحية أخرى، ما أدى إلى تقليص العمل بالمصانع لأقل من الثلث في الصين وغيرها
وتوقع “بشاي” ارتفاعات كبيرة في أسعار الواردات من الصين التي تعد من الأسواق الرئيسية للواردات المصرية، مشيرا إلى أن هناك أزمة جديدة تلاحق الشحن الدولي البحري، بعد أن تقلصت تداعيات أزمة كورونا جزئيا، والتي تسببت في ارتفاعات كبيرة في أسعار الشحن، لأن أزمة الطاقة والغاز الطبيعي ليست في الصين فقط بل وصلت إلى أوروبا أيضا
ولفت إلى قيام شركات الملاحة العالمية بوقف تشغيل أكثر من 50 % من بواخر الحاويات لخفض المصاريف الإدارية والتشغيلية، وذلك لعدم توقع تلك الشركات عودة التجارة إلى وضعها الطبيعي خلال مدة قصيرة الأمر الذي أدى إلى زيادة عرض في الحاويات المتوفرة للشحن ونقص في البواخر التي ستقوم بنقل هذه الحاويات.
واستبعد المهندس محمود العناني، رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن، أن تنخفض أسعار الدواجن والبيض، خلال الفترة المقبلة كما تزعم حكومة الانقلاب، لكن السوق قد يستقر بعد معادلة الأسعار وفقا لآليات العرض والطلب.
وتوقع العناني في تصريحات صحفية أن يهدأ السوق، لكن لا يمكن الحديث عن تراجع الأسعار مرة أخرى، ليصل سعر طبق البيض إلى24 جنيها، أو كيلو الدواجن إلى 17 جنيها ، فهذا لن يحدث لكن قد تهدأ الأسعار بنحو5% إلى 6% فقط.
وقال ، إن “السوق عكس سعر التكلفة الأصلية لإنتاج الدواجن والبيض من خلال الزيادات الأخيرة في الأسعار موضحا أنه على مدى شهور زادت تكلفة الإنتاج، وفي المقابل لم ترتفع أسعار البيع بنفس قيمة الزيادة، فمنذ شهور كانت تكلفة طبق البيض 40 جنيها بينما يباع بـ 24 جنيها في الأسواق، وهذا جعل منتجي البيض يحققون خسائر ليس لها حدود”.
وأضاف العناني، نفس الأمر بالنسبة لمربي الدواجن، عندما زادت أسعار الأعلاف لم ترتفع أسعار التسمين، واستمر المربون لمدة عام يبيعون الدجاج بسعر 17 و18 جنيها للكيلو، بينما تكلفته تتعدى العشرين جنيها، وهذا جعلهم يحققون خسائر لم تحدث في تاريخ صناعة الدواجن في مصر .
وأكد أن زيادة أسعار الدواجن والبيض، سببها الرئيسي ارتفاع أسعار تكلفة الإنتاج من الأعلاف والذرة والصويا، وهي زيادات بدأت منذ نحو عام، مشيرا إلى أن سعر طن الذرة كان نحو 3 آلاف جنيه، لكنه ارتفع إلى 5500 جنيه ، والصويا كانت أقل من 5 آلاف جنيه للطن ، وصل سعرها الآن إلى 9 آلاف جنيه، وهذا ارتفاع ضخم وغير مسبوق عالميا.
السيسي يغرق المصريين في وحل الفقر
ومع الارتفاع المتواصل للأسعار في عهد الانقلاب الذي كانت له تأثيراته الكارثية على مستوى المعيشة، حيث أصبح أكثر من 60% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر وفق بيانات صادرة عن البنك الدولي، وذلك بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة.
وقال أحمد سمير سامي باحث اقتصادي أن هناك أسبابا اقتصادية لارتفاع الأسعار منها:
- عجز الموازنة الذي يقترب من 300 مليار جنيه، والدين العام الذي وصل إلى حوالي 4 تريليونات جنيه
- زيادة سعر صرف الدولار، وارتفاع أسعار الكهرباء؛ لأن الإنتاج الصناعي والزراعي يحتاج إلى طاقة، وزيادة التكاليف تترجم لارتفاع في الأسعار
مصر تستورد معظم السلع بالدولار؛ ما يؤدي إلى زيادة الأسعار حتى للسلع المحلية، ورغم أن البنك المركزي مسؤول عن ضخ العملة لتوفير تلك السلع، إلا أن الاستهلاك ما زال أكبر من العرض
أي إجراءات تعرقل الاستيراد قد تخل بالتزامات مصر في الاتفاقيات الدولية؛ ومن ثم قد تواجه الصادرات مبدأ المعاملة بالمثل، وقد تؤدي لارتفاعات كبيرة في أسعار السلع دون استثناء، بما فيها السلع المحلية
- سياسيات البنك المركزي، فهو لم يوفر الدولار في السوق؛ وبالتالي كان من الطبيعي أن يتم رفع أسعار السلع الغذائية.
وقال الدكتور علي الإدريسي خبير اقتصادي، إن “الاقتصاد العالمي يشهد موجة تضخمية وهذا الأمر أثر على ارتفاع معدل التضخم في مصر، حيث وصل لنحو ٦.٤%، في شهر أغسطس وارتفع لنحو 8% في شهر سبتمبر الماضي مع وجود توقعات باستمرار الارتفاع على الأقل خلال العام القادم طبقا لتوقعات صندوق النقد الدولي للأسواق الناشئة”.
وأضاف الإدريسي في تصريحات صحفية فمع وجود ارتفاعات بأسعار السلع الغذائية والطاقة ومواد البناء، ليس هناك حل إلا العمل على تحقيق الوعي الاستهلاكي من جانب المواطن وترتيب الأولويات والسعي لشراء الحاجات الأساسية وتقليل حجم السلع الكمالية والترفيهية.
السيسي يعترف : “أسعار الكهرباء غالية و مش عاوزين نغليها أكتر”
ووجه السيسي رسالة تحذيرية جديدة بشأن رفع أسعار الكهرباء قائلاً: “الناس بتقول لي أسعار الكهرباء غالية علينا، صحيح هي غالية، لكن إحنا مش عاوزين نغليها عليكم أكتر!”.
وأضاف السيسي، في افتتاح بعض مشروعات الكهرباء بمحافظات الصعيد، أمس الاثنين: “أنا أحب كل واحد يأخذ حقه، أنا وفرت لك كمواطن خدمة مهمة زي الكهرباء، يبقى لازم تدفع لي ثمنها بالكامل… اللي إحنا بنعمله (ما نقوم به) هو تحصيل القيمة المستحقة لهذه الخدمة، وإلا سنواجه عجزاً لا تستطيع الخزانة العامة للدولة تحمله”، على حد تعبيره.
واتخذ السيسي مؤخرا عددا من القرارات التي أضرت بالأوضاع المعيشية لغالبية المواطنين المتضررين بالأساس، على غرار حذف ملايين المواطنين من بطاقات دعم السلع التموينية، ومنع البناء على جانبي المحاور الجديدة بعمق كيلومتر، وكذلك منع زراعة نباتات الزينة بحجة أزمة المياه.
وعلى خلاف ما يقوله السيسي، خلت الموازنة المصرية من أي مخصصات لدعم الكهرباء في العامين الماليين 2020-2021 و2021-2022؛ بل إن الحكومة أعلنت عن استمرار الزيادة السنوية في أسعار الكهرباء حتى العام المالي 2024-2025، ما معناه تحقيق أرباح من بيعها للمواطنين إثر إلغاء الدعم نهائياً عن قطاع الكهرباء
وتابع السيسي في كلمته: “نريد أن نكون دولة ذات شأن، وليست لدي مشكلة في منح الفرصة للقطاع الخاص في النمو والاستقرار… لكن المصانع ستغلق في مصر لو مافيش ( لايوجد) كهرباء، والعمالة هاتتحول إلى بطالة، والبلد كلها هاتتهد (ستنهار) “.
المصدر : إنسان للإعلام