التجويع وفتنة الدهماء
استخدمت دولة الاحتلال أنواع الأسلحة كافة التي لديها في حربها على غزة، بما فيها تلك المحرمة دولياً، كما استخدمت وتستخدم سياسة تقوم على التطهير العرقي والتهجير القسري وفقاً لمبدأ «الأرض المحروقة»، من دون رأفة بالسكان المدنيين ولا بالمنشآت الإنسانية التي يجرم القانون الدولي استهدافها، لكن السياسة الأخطر من بين كل هذا هي «التجويع» الذي تقوم باستخدامه في شمال قطاع غزة.
الاحتلال لا يقوم فقط بحصار محكم على شمال القطاع، وإنما أيضاً تقوم باستهداف أية مساعدات تحاول الوصول إلى الشمال، وخلال شهور الحرب الطويلة التي شهدها قطاع غزة، لاحظنا أن الاحتلال استهدفت أيضاً قوافل الإغاثة، التي كانت تحاول الوصول إلى الشمال، واستهدفت المدنيين الذين يحاولون الحصول على طعام للعودة به إلى منازلهم في الشمال، كما استهدفت المسؤولين المدنيين الذين حاولوا تنظيم عمليات الإغاثة وتوزيع المعونات المحدودة والقليلة، التي كانت تصل إلى مناطق الشمال.
ما يقوم به الاحتلال في شمال قطاع غزة هي سياسة «تجويع» ممنهجة ومدروسة وليست سياسة عقاب جماعي فقط، وإنما هي مشروع سياسي بالغ الخطورة يستخدم «التجويع» كسلاح ضد المدنيين، ويستخدم «التجويع» والحصار من أجل تحقيق أهداف سياسية عجزت القوة العسكرية المفرطة عن تحقيقها هناك.
التجويع وفتنة الدهماء
المشروع الذي يريد الاحتلال تنفيذه في شمال القطاع هو أن يتحول إلى منطقة عازلة بين مناطق غزة الأخرى ومستوطنات الغلاف الصهيوني، ومن ثم تحويله تدريجياً إلى حزام أمني على غرار ذلك الذي كان في جنوب لبنان، خلال الفترة من عام 1982 وحتى عام 2000، ولتحقيق هذه الغاية يقوم الاحتلال بتطهير عرقي في المنطقة، مع تجويع لمن يبقى على قيد الحياة، ومن ثم يتم ابتزاز العائلات والعشائر والأفراد بالمساعدات الإنسانية، ويتم السماح بها للناس شريطة الموافقة على التعاون مع الاحتلال. وبطبيعة الحال لا يبدو أن الاحتلال نجحت في هذه الخطة حتى الآن.
لكنَّ المؤكد أنها ستعمل على ابتزاز من تستطيع من الناس عبر التجويع، ومن ثم تقوم بتجنيد من تستطيع من السكان المحليين حتى يتعاونوا معها ومع أجهزتها الأمنية، مقابل تمرير المساعدات لهم وتجنب قصفهم وقتلهم.. وصولاً إلى احتلال عسكري مستقر في الشمال قد يدوم لمدة طويلة، وخلال تلك المدة .. تحاول إنشاء ميليشيا عميلة مشابهة لميليشيا أنطوان لحد.. أيضا التي كانت تعمل لصالح الاحتلال في جنوب لبنان .. قبل أن يتم طردهم وتحرير الجنوب في منتصف العام ألفين.
المؤكد حتى الآن هو .. أن الاحتلال فشلت في تحقيق أي من أهدافها.. ذلك رغم العدوان العسكري الوحشي.. المستمر منذ تسعة شهور.. ولا تزال تفشل حتى الان في استخدام سياسة التجويع.. التي تستهدف شمال القطاع بشكل خاص.. كما أن العشائر في مختلف أنحاء غزة أكدت مراراً بأنها.. لا يمكن أن تقبل بلعب دور «السلطة البديلة».. كذلك ولا بأن تكون ميليشيا عميلة .. على غرار ما فعل أنطوان لحد في لبنان.. وهذا يعني أن الاحتلال لا يزال .. أيضا يسجل فشلاً تلو الآخر في القطاع.. على وقع الصمود الفلسطيني التاريخي.