فلسطين من التجاهل إلي حديث العالم
فلسطين من الإعدام الإعلامي إلي حديث العالم
أمام ما تشهدُه غزّة من قتل وتشريد وإبادة للشّعب الفلسطينيّ– المطالِب بحقوقه المشروعة- من طرفِ الجيش الصهيوني المحتلّ،
تستبدّ الحَيرة والدهشة بكل ذي عقلٍ سليم، كما تسيطر مشاعرُ الحزن والقلق على كلّ ذي ضمير حيّ.
فإذا كان مقبولًا أن يختلفَ الناس حول عدالة القضية الفلسطينيّة، فيناقشون قرارات الأمم المتحدة مثلًا،
أيضا تماهيًا مع الطرح الصهيوني الداعي إلى حقّ الدفاع عن النفس، أو الطرح الفلسطينيّ الداعي إلى الحقّ في المقاومة؛
فإنّه من غير المقبول أن يقع الاختلافُ حول فظاعة ما يحصل أمام أعيننا من تدمير لمقوّمات وجود الإنسان الفلسطيني،
وأن يسمح العالم بهذا الدمار، وتمتنع القوى المُتحكّمة، في مصير البشريّة، عن الدعوة إلى إيقافه.
إذا إنَّ ما يحصل في غزّة يؤشّر على أنّنا نستفتح عهدًا تاريخيًا جديدًا. فصور الآلاف من الشهداء من المدنيين العزّل،
ذلك خصوصًا الأطفال، تغيّر تصوراتنا عن ذواتنا ومستقبل علاقتنا بالآخرين.
أيضا كنّا، قبل اليوم، نحسب أنَّ البشرية قد قطعت أشواطًا في تفكيك السرديات العِرقية والبلاغة العقدية التي تبيح إبادة الشعوب الأخرى.
كما كنّا نعتقد أن العالم يتّجه نحوَ إقرار نظام يحتكم إلى مواثيقَ دولية، ومؤسّسات أممية تكبح الدول المتغطرسة وتلجم الكيانات المعتدية.
غير أنّنا اليوم، أمام أحداث غزّة، نقفُ على إفلاس النظام العالميّ، وعجزه عن إحقاق الحقّ وإحلال السلام.
فلسطين من التجاهل إلي حديث العالم
إنّ التدميرَ الذي يطال غزّة هو- في الحقيقة- تدميرٌ لأشياء بدواخلنا، تدميرٌ للثقة التي وضعناها في المجتمعات المسماة متحضّرة أو متقدّمة،
أيضا تهشيمٌ للصورة التي ثبتَت في مخيلتنا عن منظومة كنا نحسَبُها تقوم على حقوق الإنسان. لم تَعْظُم مصيبة علينا مثل مصيبة غزّة،
التي جعلتنا نستيقظ على دوي سقوط النموذج الحضاري والثقافي الغربيّ. ليس من المبالغة القول إنّ الغرب، مع مواقفه مما يحصل في غزة،
أيضا لن يعود- كما كان- يرسم للكثير من العرب والمُسلمين أفقَهم الفكريّ والأخلاقيّ. وكأنّنا بلسان حال أميركا وأوروبا
كما يقول ما قالَه هانتغتون قبل عقدَين من الزّمن: “إنّ القيم التي نبشّر بها قيمٌ مخصوصة بنا، لا بغيرنا، قيم تنسحب أفضالُها علينا، لا على غيرنا