تصحيح مفاهيم الوعي
وسط كل هذه الأحداث المتتالية التي تمر علينا، نسمع مصطلح “الوعي” يتردد بكثرة في الكتابات والسجالات،
ونرى أصواًتا غير قليلة تدعو للتحلي بالوعي، ولاسترداد الوعي، وللمحافظة على الوعي.
إذا فما هو “الوعي؟ وما ضرورته؟ وهل له صلة بمحاولات الانعتاق الحضاري من أسر التخلف والاستبداد والتبعية؟
مفهوم الوعي
كما جاء في “مقاييس اللغة”: “الواو والعين والياء: كلمةٌ تدل على ضَمِّ شَيْءٍ. وَوَعَيْتُ الْعِلْمَ أَعِيهِ وَعْيًا. وَأَوْعَيْتُ الْمَتَاعَ فِي الْوِعَاءِ أُوَعِّيهِ”
كذلك وفي “لسان العرب”: “الْوَعْيُ: حِفْظُ الْقَلْبِ الشَّيْءَ. وَعَى الشَّيْءَ وَالْحَدِيثَ يَعِيهِ وَعْيًا وَأَوْعَاهُ: حَفِظَهُ وَفَهِمَهُ وَقَبِلَهُ، فَهُوَ وَاعٍ، وَفُلَانٌ أَوْعَى مِنْ فلَانٍ أَيْ أَحْفَظُ وَأَفْهَمُ.
أيضا وَفِي الْحَدِيثِ: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا؛ فَربَّ مبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ). الْأَزْهَرِيُّ: الْوَعِيُّ الْحَافِظُ الْكَيِّسُ الْفَقِيهُ
إذن الوعي في اللغة
كذلك فهو يدل على فهم الشيء وحفظه وفقهه والإحاطة به. أما مفهوم “الوعي” (Cognition) فلهذا المصطلح دلالات عديدة،
ولكن أهم معانيه تتجلى من خلال علمين أساسيين في الإنسانيات الحديثة: علم النفس وعلم الاجتماع. في علم النفس: يشير مصطلح الوعي أولاً إلى حالة “اليقظة” العادية،
كذلك ويشير ثانيًا إلى قدرة الإنسان المتميزة الخاصة على الشعور بذاته، وتمايز ذاته عن الآخرين وعن الأشياء والكائنات الأخرى
مجالات الوعي
أما عن الوعي المطلوب ومجالاته، فيمكن أن نقول إن الوعي المطلوب نوعان: وعي بالذات، ووعي بالآخر
تصحيح مفاهيم الوعي
أيضا والوعي بالذات يشمل الوعي بها في اختلاف الزمان: ماضيًا، وحاضرًا، ومستقبلاً.
والوعي بها في اختلاف المكان:
كذلك وطنًا وإقليمًا وأمة. فالوعي بالذات ماضيًا: أي معرفة من نحن، وكيف نشأنا، وما مسيرتنا،
أيضا وهل لنا تاريخ نتصل به ونستفيد منه، أم إننا نبدأ من نقطة الصفر، كما يزعم البعض. وكيف يكون ماضينا زادًا ينير الدرب ويقوّم الخطوات.
والوعي بالذات حاضرًا:
أي معرفة واقعنا الذي نحياه، في مختلف المجالات، بدقة؛ فندركه كما هو، دون تجميل أو تقبيح،
كذلك دون تهويل أو تحقير. إضافة للوعي بما يفرضه علينا واقعنا من قضايا واهتمامات وأولويات؛
ذلك حتى نحسن التعاطي معه، ولا ننفصل عنه. والوعي بالذات مستقبلاً: أي بالآمال المرتجاة، وبالفرص المتوقَّعة،
أيضا وبكيفية التعامل معها من خلال الإمكانات المتوافرة؛ حتى نجمع بين المثالية والواقعية في وسطية واتزان، ولا نجنح يمنة أو يسرة