عام على رحيل القرضاوي
سيرة إمام ومسيرة عالم
نزل علينا خبر وفاة شيخنا الإمام يوسف القرضاوي في 30 صفر 1444 للهجرة الموافق 26 سبتمبر 2022 كالصاعقة، وهو الذي مثل بحياته معلمة من معالم الجهاد الفكري، والتنوير الدعوي، والإفتاء الوسطي، والعمق الفقهي، والرسوخ الأصولي.
ماذا نقول عنك يا شيخنا الإمام؟ تضيق اللغة ومعاجمها ومفرداتها ومشتقاتها أن توفر من الكلام ما تتحدث عنك في هذا المقام الضنك والمعترك الصعب، فلا نجد من العبارات والأقوال ما يفي بعض حقك علينا وعلى الأمة، فحياتك قضيتها لله وبالله ومع الله، تجاهد من أجل الأمة، وتتناول قضاياها، وتفتي فيما نزل بها مما أهمها من أمر دينها ودنياها.
عاش القرضاوي شاهرا السيف ورافعا القلم، يحرس الإسلام وسفينته أن تأتيها الرياح العاتية من يمين وشمال، ويفند ما تقوله التيارات الغالية في الإسلام والجافية عنه. عاش مجاهدا ثائرا على الطواغيت، رافضا للاستبداد،
أيضا داعيا لحرية الشعوب وحقها في الحياة الكريمة، حتى صدر بحقه حكمان بالإعدام: حكم من القضاء المصري،
كذلك وحكم من النظام السوري، وهي منقبة لم تنعقد لعالم من العلماء في عصرنا.
عام على رحيل القرضاوي
كانت حياة القرضاوي مثالا للعالم العامل، والفقيه المجاهد، والأصولي الراسخ، والمفكر الرائد الذي ترك الدنيا وغادرها قبل أن يرى موسوعة أعماله الكاملة التي ستصدر قريبا في أكثر من 100 مجلد!
ترك الإمام القرضاوي بهذه المجلدات الكبيرة والضخمة تراثا تصلح به الأمة المسلمة، بل تصلح به الإنسانية،
ذلك لما تميز به من تيسير في الفتوى، وتبشير في الدعوة، وسداد في الرأي، وحكمة في العمل، وصدق في الأدب نثره وشعره.
ومع هذا،
أيضا فإن أعظم ما يميز الإمام القرضاوي ليس الفقه ولا الفتوى، وإن كان رائدا في هذا المجال ومجددا،
ولكنه تميز بالجوانب الإنسانية والمشاعر الراقية التي كان يحفنا بها كلما رأيناه أو رآنا، وكلما هاتفناه أو هاتفنا: يسأل عنا وعن أحوالنا،
كذلك ويسأل عن أزواجنا وأولادنا، وعن مشاريعنا العلمية التي نعمل عليها، كما تميز بالطاقة الروحية الأبوية الكبيرة،
حين يُقبل عليك من بعيد يريد أن يحتضنك حضن الأب، ويضمك ضمة الوالد، ويفيض عليك من حنانه وأمانه ورحمته.
إن الأمة المسلمة والإنسانية كلها فقدت فقيها راشدا، وأصوليا عميقا، وداعية حكيما، وناثرا وشاعرا يلهب المشاعر بصدق مشاعره وعمق إحساسه،
وكاتبا من الطبقة الأولى، كما فقدت إنسانا نبيلا ووالدا كريما حنون
ذكرى المولد النبوي
في الذكرى الأولى لوفاته.. ماذا ترك الشيخ القرضاوي للأمة؟