وحدة الشعائر ووحدة الأمة
مع نسائم شعائر فريضة الحج التي هي من أعظم مواسمِ الطاعة، وعمود من أعمدة الدين، وركيزةٌ من ركائز الإسلام، إنها شعائرُ ومشاعر يجب أن يعيشها المسلمُ، ويحياها المؤمن؛ ليأخذ منها الدرسَ والعِبرة، ويستخلصَ منها السلوكَ والتطبيق، فهو أعظم وحدة عَرَفتْها الدنيا. يقول الإمام البنا في موسم حج 1934م: ”فى يوم عرفة يجتمع الحجيج فى وقت واحد وفى مكان واحد وفى زى واحد، وترتفع أصواتهم بدعاء واحد على قلب رجل واحد، ما أروع الموقف، وما أجل المغزى الذى قصد إليه الإسلام وهو دين التوحيد، وما أجزل ثواب الله ورحمته وأعم فيضه ورضوانه الذي يتغشى عباده الأكرمين؛ فيعودون من موقفهم أطهارًا أبرارًا أتقياء أنقياء كيوم ولدتهم أمهاتهم“.
وتلك الشعائر تذكرنا بالسيدة هاجر وموقفها مع سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما تركها ووليدها الرضيع، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا.. يا لها من ثقة راسخة كالجبال،
أيضا دفعت أمَّ إسماعيل للتسليم لأمر الله الكبير المتعال.. كمال الثقة في الله، والتي تجلت في التسليم والانقياد المطلق بالجوارح كلها لله جل وعلا.
وهذا الموقف تتجلى فيه ضرورة مواكبة الأمل وترسيخ الثقة في وعد الله، فالثقة في الله تعالى أمل يدفع إلى العمل.
أيضا يقول الأستاذ جمعة أمين رحمه الله: إن كل من يسير في الطريق إلى الله كله ثقة في نصر الله له،
كذلك وشعاع الأمل ينير له الطريق ويسهل له الصعاب.. فالثقة بأنواعها أساس لاستقرار الإيمان، والثقة في المنهج دافع لصحة السير.
الرئيس الشهيد مشروع أمة
وفي ظلال أيام الحج المباركة التي تتجلى فيها وحدة الأمة تحضرنا ذكرى استشهاد البطل الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي، ذلك الرجل الذي تعلقت به قلوب الملايين من أبناء الأمة العربية والإسلامية،ذلك إدراكا منها بأنه رمز لمشروع لم ينته مع ارتقائه شهيدًا، ولكنه سيظل من بعده أملًا تحمله قلوب المخلصين
أيضا وتبذل في سبيل إنفاذه الأرواح وتسعى النفوس الوثابة للذود عنه بكل غال وثمين.
لقد أعلن الرئيس الشهيد معالم المشروع الذي ضحى بحياته رخيصة في سبيله، متمثلا في استقلال هذه الأمة ووحدتها وتماسكها أمام ما يحاك لها، فأكد على ضرورة أن نمتلك سلاحنا وغذاءنا ودواءنا،
فرسم معالم الطريق وترك من ورائه رجالًا يحملون شعلة الحق ويسيرون على نهجه،
أيضا لا يقبلون الضيم ولا ينزلون على رأي الفسدة. إن ارتباط الأمة بشخصية الرئيس الشهيد ومحبتها له
كذلك تدل دلالة واضحة على خيرية هذه الأمة وارتباطها بمشروعها الحضاري الإسلامي ورغبتها في إنفاذه وسعيها في إنجازه ،
كما تدل أيضًا على سلامة الطريق الذي سلكه الرئيس الشهيد وأصبح معه رمزًا لشعوب أمتنا الإسلامية بل رمزًا لكل أحرار العالم.
30 يونيو.. حصاد الهشيم
وقريبا من ذكرى استشهاد الرئيس محمد مرسي تأتي ذكرى التأسيس للانقلاب على المسار الديمقراطي في 30 يونيو
والتي دفعت بمصر إلى طريق مسدود تفاقمت فيه الأوضاع الاقتصادية وتيبست الحياة السياسية وتراجعت مكانة مصر الإقليمية والدولية وانهارت معه منظومة القضاء،
ذلك في ظل جهود حثيثة لتسييسه بصورة كاملة.
فعلى المستوى الاقتصادي بلغ الدين المحلي 5.7 تريليون جنيه، وارتفع الدين الخارجي وفقا لإحصاءات البنك المركزي إلى 162.9 مليار دولار مع نهاية يونيو الماضي، وبلغ العجز التجاري في ميزان المدفوعات 43.3 مليار دولار بسبب ارتفاع فاتورة الواردات مقارنة بتراجع معدل الصادرات،
أيضا كما تناقص الاحتياطي النقدي خلال ستة أشهر في العام الماضي من 41 مليار دولار إلى 33 مليار دولار.
كما بلغ إجمالي فوائد الديون المستحقة في الموازنة الأخيرة التي تنتهي أول يوليو الجاري 690 مليار جنيه بنسبة زيادة 19.1 عن العام السابق،
كذلك وتم طرح أسهم 32 شركة على مدار عام كامل بداية من الربع الأول من العام 2023 وحتى الربع الأول من العام 2024م.
أما على المستوى الحقوقي فقد ارتفع عدد المخفَيْن قسرًا خلال السنوات التسع الأخيرة إلى 16955 شخصا بينهم 3155 شخصا في عام 2022 وتم توثيق مقتل 62 حالة خارج إطار القانون،
كما بلغ عدد السجناء السياسيين 60 ألف سجين لقي منهم 865 شهيدًا حتفهم داخل سجون الانقلاب نتيجة الإهمال الطبي المتعمد،
ذلك فضلًا عن استمرار انتهاكات حقوق عامة المصريين في الإعلام وأقسام الشرطة والمصالح الحكومية وما يتعرضون له في معاملاتهم اليومية من إهانة وقهر وإذلال.
وكان آخر هذه الانتهاكات صدور قرار إحالة للمفتي في قضية أحداث المنصة تمهيدًا لحكم الإعدام.
وذلك يوم الاثنين 22 مايو 2023، حيث تم حجز القضية للحكم لتاريخ 20 سبتمبر. المحالون عددهم ثمانية، 6 منهم رهن الحبس والسجن، 2 غيابيًا، 3 من الـ6 محكوم عليهم بالإعدام في قضية فض اعتصام رابعة.
قضية أحداث المنصة استخدمت الشرطة فيها القوة الغاشمة، قتلت 100 من المتظاهرين السلميين، وأصابت 5000؛
إذا والمستهدفون بالإعدام هم: الدكتور محمد بديع ، والدكتور محمود عزت، والدكتور محمد البلتاجي، والدكتور أسامة ياسين، والدكتور صفوت حجازي، والمهندس عمرو زكي.
ويأتي هذا في ظل مفارقة عجيبة، حيث يتم التمهيد لحكم الإعدام على الرجل الذي رفع راية السلمية وجعلها شعارًا أعلنه على الملأ بشكل واضح مؤكدًا على النهج الذي اختارته جماعة الإخوان المسلمين ولن تحيد عنه ومعها الجمع الغفير من الثوار،
وفي ذات الوقت التمهيد بالحكم بالإعدام على الدكتور محمود عزت الذي كان سببًا في حماية مصر والحفاظ عليها من الوقوع في براثن العنف
حيث تصدى وبكل قوة وحسم خلال مدة إدارته للجماعة لأي انحراف عن نهج السلمية أو الانزلاق إلى دوامة العنف التي لن تفلح مصر كلها إذا دخلت فيه.
وعلى المسار السياسي شهدت الحياة السياسية ضمورًا وانسدادًا غير مسبوق ومنعًا لأي من مظاهر التنافس الحزبي. أما على مستوى السياسة الخارجية فقد تراجع الدور المصري إزاء أبرز القضايا التي تتعلق بالأمن القومي المصري والتي كان آخرها عجز سلطة الانقلاب عن التعاطي مع الأحداث التي تقع على الحدود الجنوبية في السودان وعلى الحدود الغربية في ليبيا
حيث يتم طرد المصريين من الشرق الليبي بصورة مهينة،
ذلك في ظل تفاقم متزايد لأزمة سد النهضة حيث تفرض إثيوبيا سياسة الأمر الواقع مقابل الصمت الكامل من الجانب المصري.
وبدلًا من أن تتوارى الآلة الإعلامية للانقلاب خجلًا من الحالة المزرية التي وصل لها حال مصر في كافة المجالات في ظل هذا الانقلاب وتلتزم الصمت، وجدنا حملة إعلامية منظمة ومرتبة
كذلك لتفرز صباح كل يوم أعدادًا هائلة من التصريحات والحوارات والمقالات يتم توزيعها بالسوية على كل المؤسسات الإعلامية
ذلك لتنطلق عن قوس واحد بأسماء كتاب وصحفيين وساسة يشاركون فيما يسمى بالحوار الوطني وذلك في محاولة لبعث الحياة في 30 يونيو واستنبات نصر من غير ماء،
أيضا مع سعي دؤوب لتحويل العداء من الحدود الشرقية-
حيث يقبع العدو الحقيقي للأمة- ونقله إلى داخل الحدود حيث القوى الوطنية التي أعلنت رفضها لهذا الانقلاب.
هذا فضلًا عن سيل الأكاذيب التي تتهم الإخوان بالباطل وتحاول تشويه صورة الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي.
انتخابات بلا ضمانات
وفي الوقت الذي يتم فيه تسخير الآلة الإعلامية للإنقلاب لتسويق حديث موهوم حول إنجازات 30 يونيو،
لذلك يتم التسويق أيضًا لاستعداد سلطة الانقلاب لإجراء ما يسمى بالانتخابات الرئاسية قبل موعدها المقرر في عام 2024م. بينما ستعقد في نهاية هذا العام 2023م بلا ضمانات حقيقية.
أيضا ومن الملفت للنظر أن يأتي هذا الحديث غير بعيد عن إعلان نتائج الانتخابات التركية التي شهدت تنافسًا حزبيًا محمومًا ووقف الجميع بما فيهم رئيس الجمهورية
الذي دخل انتخابات الإعادة مع منافسه وسط ترقب الجميع لإعلان النتائج دون أن يعرف أحد المرشحين لمن ستكون الغلبة والفوز.
كذلك ولعل هذا التزامن يدفع برسالة واضحة يدركها الشعب أن مصر ليست أقل من الدول التي تجرى فيها انتخابات حقيقية، خاصة بعد التجربة الفريدة التي قدمها الشعب المصري عقب ثورة يناير بانتخاب الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي.
ذلك كأول رئيس مدني في انتخابات تنافسية وقف الجميع فيها قبل إعلان النتيجة دون أن يعلم أحد من الفائز.
أيضا في الوقت الذي يراد فيه لمصر أن تتناسى هذه التجربة الرائدة في المنطقة العربية يستمر الانقلاب في إجراء انتخابات بلا ضمانات من مؤسسات الدولة،
وفي ظل سيطرة كاملة على كل مقاليد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية
كذلك إضافة إلى سيطرة كاملة على الإعلام. فهل ينتظر من هكذا نظام أن يجري انتخابات شرعية ونزيهة؟
أيضا وغير بعيد عنا ما وقع مؤخرًا في نقابة المهندسين والذي اعتبره كثيرون محاكاة (أو بروفة) لما ستكون عليه ما يطلق عليها النظام انتخابات رئاسية.
من أخبار الجماعة
أطلقت الهيئة اﻹدارية إشارة البدء لمشروع (رسوخ) الذي يعمل عليه فريق من المختصين من كوادر الجماعة،
والذي يهدف إلى الحفاظ على ثوابت الجماعة وأصولها وأركانها من كل أشكال تغيير هويتها أو محاولات تحويل مسارها،
والاطمئنان على رسوخها لدى مؤسسات وأفراد الجماعة وسد الثغرات التي أفرزتها الأزمة الحالية والظروف التي مرت بها الجماعة منذ 2011.
ذلك يهدف إلي ترسيخ منظومة (الأصول والثوابت والأركان والمؤسسية) لدى مؤسسات الجماعه والقيادة والرموز
أيضا سوف يتم من خلال هذا المشروع تشخيص التغيرات المهددة للجماعة ضمن المنظومة واقتراح الحلول المناسبة (الوقاية والعلاج)
وكذلك تعزيز المنظومة والمحافظة عليها لدى مؤسسات الجماعة واﻷفراد والقيادة (رصد – متابعة – تقويم). ومن المتوقع أن يستمر العمل في هذا المشروع مدة عامان.
والله أكبر ولله الحمد
أ.د. محمود حسين
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام
الأحد 29 ذو القعدة 1444 هجرية الموافق 18 يونيو 2023م