العيد في المعتقل
يقول أحدهم ذاكرا تجربته عن العيد في غياهب السجون
لا تمر أيام العيد من دون ثقل ذكريات السجن جاثمة على صدري. ست سنوات وثلاثة أشهر ، مرت فيهم الأعياد والمناسبات عليَّ منتزعاً من بين أهلي وصحبي سجيناً سياسياً في المعتقلات المصرية، أعيش غربة موحشة تعتصر أحشائي
كذلك كنت أمضي يوم العيد في السجن باكياً، ككثير من زملاء الزنازين،
يملؤنا حنين قاتل عصيٌّ على التحمل، نتذكر صلاة العيد وزيارة الأهل والخروج مع الأصحاب والأحباب، فنتلوى ألماً وشوقاً،
أيضا ننظر إلى سقف الزنزانة الباهت محشورين في أماكن نومنا الضيقة، فنتحسر ونتوجع على ما نحن فيه ونتوق لأنفاس من الحرية تحت السماء من جديد.
لكن بينما كان الكثيرون منا يستنزفون أرواحهم بالبكاء،
كان هناك هؤلاء الذين يحاولون اختراع البهجة واستخلاصها من العدم،
فيقومون من بعد الفجر ليحجزوا دورهم في الحمام لأخذ “دش العيد” وارتداء ملابس العيد،
متجاهلين أنها نفس الملابس الزرقاء والبيضاء التي لا يسمح لنا بسواها،
لكنها مغسولة لتضفي إيحاءً بالاحتفاء بالمناسبة، يتضاحكون ويتناوشون ويتقافزون بين الـ”فِرَش” لإيقاظ المكتئبين. غالبيتهم ممن ما زالوا في عامهم الأول أو الثاني في الحبس،
العيد في المعتقل
بذكريات قريبة عن العيد في الحرية، وزيارات الأهل والأصحاب. يحاولون مؤاساة من استسلموا للحزن والمزاح معهم، ينكزونهم ويجذبونهم حتى يتشتتوا قليلاً، وربما ينتزعون منهم ابتسامة مغصوبة، فيقومون على مضض للمشاركة في الطقوس المصغرة لعيد السجن ..