الدراما أداة العسكر لتزييف وعي الجماهير
من حقنا أن نغضب ونحتجّ على هذا السيل من الإعلام الأصفر ..الذي يقتحم بيوتنا بخطاب إعلامي يجرنا إلى حضن الاحتلال. ..من حقنا مقاطعة الإعلام ..الذي يروج التطبيع مع الاحتلال الغاصب،..متجاهلا، مع سبق الإصرار والترصد،.. كل الاعتداءات التي مارسها ويمارسها هذا الاحتلال ضدنا،.. فرادى وجماعات..، على امتداد الخريطة العربية. ..
ولكن، لا ينبغي لأي منا الاندهاش،.. أو التظاهر بالصدمة مما يرى ويسمع، ..ولا يجب إغفال أن هذه الجائحة الإعلامية ليست وليدة اللحظة..، أو ابنة الظرف الراهن. بالنظر،.. إلى الوراء قليلا..، والتمعن في بعض المياه التي جرت تحت فضاء الإعلام العربي، خلال العقود الثلاثة الأخيرة،.. يمكن القول، بكل موضوعية،.. إن خطاب التطبيع ليس إلا قمة جبل الجليد،.. أما جذر الجبل فيضرب عميقاً إلى سنوات خلت..، أحدثت طوالها معاول التخريب دمارا كثيرا في وعي المتلقي العربي.
الدراما أداة العسكر لتزييف وعي الجماهير
بالرجوع إلى تسعينيات القرن الماضي،.. بداية انتشار موضة القنوات الفضائية العربية، ..عمدت السعودية،.. وشركاتها الرائدة في مجال الاستثمار الإعلامي..، إلى إغراق الفضاء بعدد كبير من القنوات الفضائية ذات المحتوى التافه أو الدعائي الموجه. وخلال سنوات قليلة، كان الفضاء العربي يعج بسيل جارف من القنوات، ..منها ما تخصص في تعميق الشرخ الطائفي، ..ومنها ما انفرد بترويج خزعبلات التنجيم والعلاج بالأعشاب والحجب المقدسة،.. بينما راحت قنوات أخرى تغسل أدمغة الشباب العربي بمضامين غريبة تستوردها من المكسيك والولايات المتحدة، وحتى من أستراليا وتركيا.
كذلك وفي المحصلة،.. لم يكن الغرض من هذه المحطات، ..أو الباقات، كما كانت تسمى،.. سوى حرف النقاش في المجال العام العربي بعيداً عن القضايا المركزية..، وصرف الجمهور نحو مضامين تنتج تحت بدعة ..”الجمهور عايز كدا”.
الدراما أداة العسكر لتزييف وعي الجماهير
كذلك ولملء هواء مئات المحطات الفضائية، ..راح المال السعودي يضخ ملايين الدولارات لإنتاج أو شراء حقوق برامج ترفيهية هابطة ..لشغل الحيز الإعلامي بضجيج فارغ،.. أولاً، ثم إغلاق هذا الفضاء أمام أي محاولاتٍ جادّة لإنتاج محتويات إعلامية هادفة. كذلك أنفقت المؤسسات الإعلامية السعودية..، في العقد الأخير من القرن الماضي..، أموالا طائلة على برامج المسابقات والطبيخ والموضة وتفريخ نجوم الطرب والرقص..، من دون أن يسجل لها أي إنتاج يرفع من القيم الاجتماعية.. أو الثقافية للجمهور العربي المتلقي
. بل ظهرت هذه المشاريع الإعلامية وكأنها تتربص بالوعي العربي، وتسعى إلى تمييع الفضاء العام،.. وتلويث تربته، حتى لا تنبت فيه أي فسيلة صالحة.