الإمام البنا والمشروع الصهيوني
الإخوان والقضية الفلسطينية
الإمام الشهيد.حسن البنا
أحسَّ الإمام الشهيد مبكرًا بمقدمات المشروع الصهيوني ..الذي يستهدف فلسطين ولم يتعامل مع احتلال الإنجليز لفلسطين كأي احتلالٍ لوطن إسلامي،..وبدأ يكتب ويُنبِّه لهذا الخطر الشديد منذ عام 1929 م، ..محذرًا من تصاعد الخطر اليهودي في فلسطين ، .. ففي مقالٍ كتبه مبكرا عام 1930 م..أبدى فيه عدم رضائه عن ردود أفعال المسلمين في مواجهة هذا التحدي؛..لأنها لم تزد عن الاحتجاجات، وأن خطة اليهود تقوم على الاستحواذ عليها بالقوة وطرد أهلها.
وفي هذا الوقت المبكر استوعب الإمام الشهيد أبعاد المشروع الصهيوني.. والمعلومات المرتبطة به، وتواصل ميدانيًّا مع أهلها، وأرسل الرسل هناك لتكون الصورة أمامه كاملةً.
ولم يكتفِ الإمام بذلك، بل وضع رؤية إستراتيجية للحركة، حدد فيها – رحمه الله – منطلقات وثوابت رؤية الجماعة تجاه هذه القضية؛ حيث ينطلق الإخوان المسلمون في تعاملهم مع القضية الفلسطينية من حقيقة أساسية جوهرها: أن أرض فلسطين هي أرض عربية إسلامية…وقف على المسلمين جميعًا حتى تقوم الساعة، يحرم التنازل عن شبر واحد من ثراها مهما كانت الضغوط، فهي بالتالي أمانة في أعناق أجيال المسلمين.. جيلاً بعد جيل حتى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومَن عليها …. وأن قضية فلسطين هي قضية العالم الإسلامي بأسره وليست قاصرةً على أهلها الفلسطينيين، وأن المقاومة بكل أبعادها ومحاورها هي الطريق لاسترداد أرض فلسطين .
ومن كلمات الإمام الشهيد في هذا الشأن:…ليست قضية فلسطين قضة قطر شرقي، ولا قضية الأمة العربية وحدها،.. ولكن قضية الإسلام وأهل الإسلام جميعًا”.
“احتجوا بكل مناسبة وبكل طريق…. قاطعوا خصوم القضية الإسلامية مهما كانت جنسياتهم أو نحلهم تبرعوا بالأموال للأسرة الفقيرة والبيوت المنكوبة و المجاهدين البواسل.. تطوعوا إن استطعتم لا عذر لمعتذرٍ فليس هناك ما يمنع من العمل إلا ضعف الإيمان” (عام 1938 م مجلة النذير).
الإمام البنا والمشروع الصهيوني
خطوات الإمام الشهيد وفعالياته
الإمام حسن-البنا المتطوع رقم 1 في حرب فلسطين
رغم أن الجماعة كانت في بداية نشأتها وتواجه مناخًا صعبًا من الاحتلال الإنجليزي والقوى السياسية القديمة المتربصة بها، وكذلك كان الشعب في غفلةٍ وفي حالةٍ من الأزمات الاقتصادية، وتشغل الطبقة المثقفة والوسطى منه القضية الوطنية، إلا أن اهتمام الإمام الشهيد وإدراكه لأهمية الوقت وخطورة الإحداث جعلته يسارع بالعمل في هذا الميدان، ويبذل جهدًا كبيرًا في توعية الأمة وإيقاظها لتتبنى هذا الأمر، وتُدرك مدى الخطر.
واستطاع بفضل الله من سنة 1932 م وحتى سنة 1942 م أن يُحدث تحولاً كبيرًا في الشارع المصري.
ثم يحول هذا التحول إلى وسائل ضغط،..وإلى مسارات عملية للدعم والمساندة توجِّت بتفاعل قوي حاشد للأمة في عام 47- 1948 م تحت توجيه وقيادة الإخوان .. واضطرت القوى السياسية العلمانية أن تجاري الأمر، وتلحق بهذا الزخم الشعبي، واضطرت الحكومات أن تستجيب لبعض المطالب، وأن تزايد ببعض الشعارات.
ونشير في إيجاز إلى بعض هذه الخطوات:
التوعية العميقة لأفراد الجماعة، وكذلك توعية الأمة بالقضية وبالأحداث المتتالية بشتى الوسائل والسبل:
أ- انتشار الإخوان في المساجد وفي القرى والنجوع؛.. يشرحون للأمة ويوجهونها،… وكان لهم دعاء يقنتون به في المساجد،.. ويردده آلاف الجماهير من ورائهم، ومن كلماته “اللهم غياث المستغيثين وظهير اللاجئين ونصير المستضعفين انصر إخواننا أهل فلسطين …”.
ب- توظيف المناسبات للتذكير بالقضية والتركيز عليها, فأصبح يوم 27 من رجب من عام 1933 م احتفالات الإخوان بالإسراء والمعراج لخدمة القضية وإحياء ذلك في كل عام.
الإمام البنا والمشروع الصهيوني
ج- طباعة الكتب وكتابة المقالات والبيانات وتوزيعها على نطاقٍ واسع، وكمثال فقط “كتاب النار والدمار في فلسطين ” عام 1938 م، وقد قُبض على الإمام الشهيد بسببه ثم أُفرج عنه .. وكتاب “كفاح الذبيحين فلسطين والمغرب” عام 1946 م، ثم توالت الكتب من علماء الإخوان ودعائهم حتى يومنا هذا.
توالت عشرات المقالات في مجلات وصحف الإخوان ، وفي كلماتهم للأمة من عام 1933 من هذه العناوين “فلسطين الدامية – فلسطين المجاهدة … إلخ”.
هـ- عشرات الندوات والمؤتمرات…والمظاهرات الحاشدة في جميع أنحاء القطر المصري.. رغم الأحكام العرفية التي فُرضت إبَّان الحرب العالمية،.. ومنها سلسلة المظاهرات العارمة في 36،..وعام 1938 م وما بعده، وقد قبض في هذه المظاهرات على أعداد من الإخوان منهم الشهيد يوسف طلعت في الإسماعيلية.. والحاج عباس السيسي في الإسكندرية.
ومن أهم هذه المظاهرات المظاهرة الكبرى في ميدان الأوبرا.. بعد صدور قرار التقسيم،.. وكانت في 15/12/47؛ حيث جمعت فيها زعماء وقيادات مصرية وعربية…ومن الشخصيات التي تكلمت فيها: ..رياض الصلح (لبنان)،.. الأمير فيصل بن عبد العزيز (السعودية)، جميل مراد (سوريا)، إسماعيل الأزهري (السودان)، القمص متياس الأنطوني.
الإمام البنا والمشروع الصهيوني
إجراءات عملية للدعم والمساندة على المستوى الشعبي
فلسطين إلى كل الهيئات الشعبية.
ج- حملة قرش فلسطين التي بدأت مع عام 1939 م وتبناها الإخ
أ- التبرعات وجمع الأموال لدعم المجاهدين والشعب الفلسطيني في محنة؛ ..وذلك من جيوب الإخوان ثم من عموم الأمة التي تفاعلت مع حملات التوعية.
ب- في مارس 1935 م تقدَّم الإخوان بمشروع جمع التبرعات والأموال لمساندة قضية وان ونجحوا فيها.
د- حملة المقاطعة للمؤسسات اليهودية الموجودة في مصر.. ، وقد بدأت من عام 1936 م، ..وأصدر الإخوان بذلك قائمة بهذه المؤسسات، ودعت المصريين إلى عدم التعامل معها؛.. حيث كانت تمول عملية الاستيطان اليهودي.
تحريك القوى السياسية والشخصيات الوطنية المصرية والعربية في مؤتمرات وفعاليات للخروج بإجراءات عملية لمساندة ودعم القضية، وتقديم المقترحات العملية في هذا الشأن:
أ- في عام 1936 م دعا الإمام البنا إلى عقد اجتماع للقوى الوطنية والعلماء والمفكرين في مصر خاص بهذه القضية،… وانبثق عن الاجتماع لجنة عليا لمساندة فلسطين برئاسة الإمام البنا ..وأعضاء من كبار العلماء والمفكرين، وأرسلوا برقيات المساندة للشيخ أمين الحسيني .
الإمام البنا والمشروع الصهيوني
ب- عقد مؤتمر عربي حاشد من أجل فلسطين في مصر بالمركز العام عام 1938 م.. شارك فيه زعماء العالم العربي،.. وكان من بين المشاركين فارس الخوري رئيس وزراء سوريا .
ج- وفي أكتوبر عام 1938 م عقب نجاح المؤتمر العربي السابق تم عقد مؤتمر شعبي برلماني على مستوى العالم الإسلامي؛ حيث عقد في سراي آل لطف الله بالقاهرة.. وحضره وفود شعبية وبرلمانية من المغرب العربي والهند والصين والبوشناق المسلمين وبرلمانيون من مصر و سوريا و لبنان و العراق .. إلخ، بخصوص الترك في هذه القضية.
د- إرسال الدعاة إلى بلدان جنوب شرق آسيا (أ- صالح عشماوي- أ- سعيد رمضان…إلخ) لشرح القضية والتواصل مع القوى السياسية بخلاف دعاتهم المنتشرين في جميع الأقطار العربية.
هـ- مخاطبة القوى الوطنية والمسيحية لمساندة هذه القضية …ومنهم الأنبا يؤنس بطريرك الأقباط الأرثوذكس،… وفي أكثر من بيان كان يذكرهم ويخاطبهم وكمثال كان عنوان أحد بياناته …نداء إلى شعب الإخوان المسلمين بالقطر المصري ..وإلى مواطنينا المسيحيين الأعزاء من أجل فلسطين المجاهدة ..”.
س- في عام 1947 م.. استجابةً لنداء الإخوان تم تشكيل هيئة وادي النيل لإنقاذ القدس …وأعضاؤها يمثلون مختلف القوى السياسية في مصر ..، بالإضافة ل لإخوان ،.. وقد نظمت أسبوعًا من أجل فلسطين لشرح أبعاد القضية وجمع التبرعات.
الإمام البنا والمشروع الصهيوني
ص- وفي عام 1947 م نظَّم الإخوان المؤتمر الشعبي لنصرة فلسطين بالجامع الأزهر،… وتكلَّم فيه اللواء صالح حرب وأحمد حسين (مصر الفتاة)،.. بالإضافة للإمام الشهيد، ..والذي تلا فيه بيان الإخوان بإعلان الجهاد المقدس لتحرير فلسطين ،.. ومما جاء فيه:
“لقد كان عندنا بقية أمل في الضمير العالمي…أما الآن فقد فجعنا في كل هذه الآمال،.. وكفرنا بهذا الإيمان..، وبهذه الحكومات الجاحدة المضللة حكومات الغرب ودوله ..”.
ع- ومن المشاريع العملية التي تقدَّم بها الإخوان لتلك القوى على مستوى العالم العربي والإسلامي:
إنشاء صندوق عالمي إسلامي أو شركة لشراء أرض فلسطين المستغنى عنها.. من أصحابها حتى لا تتسرب لليهود، وقد أرسله للمؤتمر الإسلامي المنعقد ب القدس عام 1931 م عقب ثورة البراق، كما أعاد تفعيله في مؤتمر 1938 م ..المنعقد بالقاهرة مع توضيح أساليب اليهود لطرد أهل فلسطين من أراضيهم.
أن تتكون لجنة عامة لإنقاذ فلسطين بوادي النيل تعلن النفير العام وتنظم جهود المقاومة .
إنشاء لجان للدفاع عن المقدسات الإسلامية يكون مركزها الرئيس ..في القدس أو مكة المكرمة وفروعها في العالم الإسلامي كله.
الإمام البنا والمشروع الصهيوني
إنشاء جامعة فلسطين .
إصدار صحيفة إسلامية خاصة بالقضية تُوزَّع على مستوى العالم الإسلامي…، وتعمل على التوعية بالقضية والتوجيه والإرشاد.
تنظيم المؤتمرات.. والفعاليات الشعبية على مستوى العالم الإسلامي …والتواصل بين هيئاتها لصالح القضية.
أرسل مقترحًا لوزير الشئون الاجتماعية في مصر.. وقتها جلال فهيم باشا بتوظيف وتشغيل الشباب الفلسطيني ..الذي لا يجد مجالاً للعمل ثم تدريبهم وتسليحهم وإرسالهم لفلسطين.
تقدم الإمام في سنة 1939 م ..بمذكرة إلى علي ماهر رئيس الحكومة المصرية آنذاك.. طالب فيها بالعمل على إيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين إيقافًا تامًّا..، واقتراح عليه إجراءات عملية.
برقية الإمام عام 1936 م إلى رئيس وزراء مصر آنذاك.. يوضح فيها خطر اليهود، ..وأن علينا أن نستعد ونتهيأ لمواجهة هذا الخطر، وأن الإنجليز واليهود لن يفهموا إلا لغة القوة.
التعاون مع جامعة الدول العربية، ودفعها إلى التحرك لأداء الدور المطلوب..، وكان كثير الصلة بعبد الرحمن عزام الأمين العام للجامعة، وأرسل له عدة مذكرات ..يطالب بأن يتحرك بقوة لتضغط على الحكومات العربية ..لكي تأخذ الأمور بحزم وتعلن الجهاد .
كذلك وفي برقيته إليه في 8 أكتوبر 1948 م ..نصحه ألا ينخدع بهذه الحلول السياسية التي تعرضها القوى الكبرى …مع سرعة الإعداد العملي لإنقاذ فلسطين .
ومما جاء فيها: “إن الإخوان لا يرون سبيلاً لإنقاذ فلسطين إلا القوة،.. ولهذا يضعون تحت تصرف الجامعة العربية عشرة آلاف من خيرة شبابهم المجاهدين ككتيبة أولى في جيش الإنقاذ”.
التواصل مع أهل فلسطين.. ، ومع قادتها وزعمائها للمساندة والتنسيق ودعم الجهاد هناك:
بدأ الإمام هذا التواصل مع مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني منذ عام 1929 م، وكذلك تقدَّم له بمذكرة إجراءات عملية للمؤتمر الإسلامي المنعقد في القدس عام 1931 م، وقد تليت في المؤتمر وأُحيلت المقترحات إلى اللجنة التنفيذية المنبثقة عنه.
وكان الحاج أمين الحسيني يضع ثقته في الإخوان ، …وقد قال عنهم “إني أؤمن ب الإخوان المسلمين ؛ لأنهم جند الله الذين يهزمون جنود الشيطان”.
الاتصال بالشهيد عز الدين القسام منذ عام 1933 م وما بعدها، وتقديم الدعم والمساندة.
الإمام البنا والمشروع الصهيوني
الشيخ عز الدين القسام
زيارة من وفد الإخوان في أغسطس 1935 م ل فلسطين إبَّان الثورة الكبرى للتنسيق والتواصل الميداني.
التواصل والتنسيق مع اللجنة العربية العليا ب فلسطين ..، والتي تشكلت في نهاية عام 1936 بعد الثورة الكبرى بدعم ومساندة من الإخوان .
كذلك فقد أرسل الصاغ محمود لبيب للتدريب الميداني والصلح بين قادة منظمتي “النجادة” و”الفتوة” …اللتان تجاهدان في فلسطين عام 1948 م؛ وذلك لتحقيق الوحدة والتئام الصفوف.
من الوفود التي أرسلها الإمام الشهيد نذكر الأساتذة: عبدالمعز عبد الستار – محمد أسعد الحكيم – عبد العزيز أحمد – عبدالرحمن الساعاتي – بخلاف الصاغ محمود لبيب والشيخ محمد فرغلي وآخرين غيرها.
وذلك للمساندة وتنظيم أعمال المقاومة والتمهيد لدخول الإخوان ميدان الجهاد في فلسطين ، كما زار الإمام الشهيد نفسه أرض فلسطين انطلاقًا من غزة عند زيارته لمواقع المجاهدين .
الضغط على الحكومات الأجنبية، واتخاذ المواقف القوية تجاه الأحداث، والتحرك على المستوى العالمي، ومن أمثلة ذلك:
توجيه خطابات التحذير للحكومات الغربية،…خاصةً إنجلترا وأمريكا إزاء ما يقدمونه من دعمٍ للمشروع الصهيوني.
مذكرة احتجاج واستنكار أرسلها الإمام الشهيد في 12 أغسطس 1944 م إلى وزير أمريكا المفوض للتنديد بالموقف الأمريكي المشئوم؛ حيث وقتها طالبت أمريكا بهجرة مائة ألف يهودي دفعةً واحدة.
وكذلك أرسل خطابًا مفتوحًا للحكومة والشعب الأمريكي بهذا الشأن؛ ..ومما جاء فيه: “إننا نحن – الإخوان المسلمين – باسم الشعب المصري والشعوب الإسلامية ..لنرفع عقائرنا محتجين على هذا التصريح المشئوم الذي تنادي به أمريكا اليوم ..متحديةً به شعور أربعمائة مليون مسلم”.
الإمام البنا والمشروع الصهيوني
كذلك ” .. ونحن باسم الإخوان المسلمين ومن ورائهم كافة العرب والمسلمين في مختلف أقطارهم نحذر حكومتكم من الاسترسال في هذه السياسة الصهيونية الجائرة فإنها وحدها …هي التي تضمن لكم أن تخسروا معركة السلم في العالم العربي والإسلامي كله، وإذا خسرتم صداقة العرب والمسلمين فلن تجدوا عوضًا عنها عند اليهود والصهيونية ..”.
وعند اعتراف أمريكا بإسرائيل بعث الإمام البنا برقية إلى الرئيس ترومان قال فيها: “اعترافكم بالدولة الصهيونية إعلان حرب على العرب والعالم الإسلامي، وإن اتباعكم لهذه السياسة الخادعة الملتوية لهو انتهاك لميثاق هيئة الأمم والحقوق الطبيعية للإنسان وحق تقرير المصير، وستؤدي حتمًا إلى إثارة عداء دائم نحو الشعوب الأمريكي، كما تستعرض مصالحه الاقتصادية للخطر وتودي بمكانتكم السياسية فنحملكم المسئولية أمام العالم والتاريخ والشعب الأمريكي”.
كما أرسل رسالة مشابهة إلى السفير البريطاني بالقاهرة يستنكر دورهم ويذكر فيها “إن الإخوان سيبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل بقاء كل شبر من فلسطين إسلاميًّا عربيًّا حتى يرث الله الأرض ومن عليها”.
وعندما صدر قرار التقسيم من الأمم المتحدة وجَّه الإمام البنا نداءً قويًّا ناشد فيه الحكومات العربية والإسلامية بأن تنسحب فورًا من الأمم المتحدة.
الإمام البنا والمشروع الصهيوني
كذلك وأن تتهيأ الشعوب الإسلامية للدفاع عن فلسطين ؛ وذلك بعد وضوح ضعف حكوماتها.
وفي بيانه القوي الذي أعلنه في اجتماع رؤساء المناطق والشعب عام 1942 م ..أشار إلى “إن مصر والعالم العربي والإسلامي كله يفتدي فلسطين ، ..وهذه الحقيقة يجب أن تضعها الدول المتحدة نصب عينها ..فصداقة المسلمين والعرب في كفة ومطامع اليهود في فلسطين في الكفة الأخرى”.
رفض المشاريع والحلول الجزئية.. التي تعطي لليهود أي حق في فلسطين والضغط الشعبي.. والعملي على الحكومات لرفض ذلك.
أ- رفض مشروع التقسيم الثلاثي الذي تقدَّمت به اللجنة الملكية البريطانية عام 1937 م تحت ضغط حركة الجماهير وثورة أهل فلسطين الكبرى؛ حيث اقترحت تقسيم أرض فلسطين إلى ثلاثة أقسام قسم لليهود وآخر للعرب وثالث يبقى تحت سيطرة بريطانيا مباشرة.
وقد أكد الإمام الشهيد مع الرفض القاطع أن هذا المشروع يعني القضاء على حقوق العرب كله “ولن يخطر ببال عربي واحد أن يفكر فيه فضلاً عن أن يقبله”.
ورفض الإمام البنا الكتاب الأبيض الذي أصدرته بريطانية لمحاولة استيعاب الموقف عام 1939 م وخداع الشعوب العربية.
رفض الإخوان مشروع اللجنة الأمريكية البريطانية..الذي يقضي بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود؛.. وذلك قبل عرضه على الأمم المتحدة.
وعندما أجازته في نوفمبر 1947 م ..استنكر الإمام، وشنَّ عليه حملةً قوية،.. وطالب بانسحاب الدول العربية والإسلامية من الأمم المتحدة،.. وأرسل إلى السكرتير العام للأمم المتحدة ووزير خارجية أمريكا معلنًا هذا الرفض.
المشاركة العسكرية الميدانية داخل فلسطين وقتال العصابات الصهيونية:
وقد بدأ هذا الاستعداد مبكرًا بإنشاء النظام الخاص وتدريبه للجهاد في فلسطين وعلى ضفاف القناة ضد الإنجليز.
التواصل الجهادي منذ عام 1935 م والمساعدة في جمع السلاح وإيصاله للمجاهدين داخل فلسطين، وكان الصاغ محمود لبيب على صلةٍ وثيقة بالشهيد عبدالقادر الحسيني لهذا الأمر، وأصبح هو ضابط الاتصال بين الإخوان والهيئة العربية العليا في شئون التسليح المشكلة لفلسطين.
وكان هذا محورًا أساسيًّا في عام 1946 م.. وما بعدها الدفع بالمئات من شباب الإخوان المجاهدين إلى أرض فلسطين رغم كل محاولات الإنجليز لمنع ذلك ومساعدة الحكومة المصرية ..إلا أنه وبصورة هادئة تمكَّن شباب الإخوان من التسلل إلى أرض فلسطين ..عقب نهاية الحرب العالمية الثانية..ثم تحت الضغط الشعبي الذي قاده الإخوان ..، وتمكَّنوا من إرسال كتائبهم المجاهدة تحت مظلة جامعة الدولة العربية، وأنشأوا لها معسكرات التدريب وجمع السلاح لها،.. وعندما تطورت الأحداث على أرض فلسطين أعدوا عشرة آلاف كان الإمام سيدخل معهم أرض فلسطين ، لكن وقفت الحكومة ضد ذلك وأعلنت قبول الهدنة ثم اغتالت الإمام الشهيد وزجَّت في السجون بالمجاهدين داخل وخارج مصر بناءً على توجيهات وتعليمات القوى الكبرى المساندة لليهود.
كان لدخول الإخوان أرض فلسطين تأثير كبير، وشكَّلوا خطرًا شديدًا على اليهود الذين ضجَّوا بالشكوى، وطالبوا بسرعة التدخل لإيقاف ذلك.
الإمام البنا والمشروع الصهيوني
ما أشرنا إليه هو أمثلة موجزة فقط لتوضيح أبعاد الرؤية وآليات التعامل من جانب الإخوان ، أما تفعيل الأمور وجمع كل الحقائق فما زال يحتاج إلى بحث شامل ومجهود كبير، خاصةً أن الكثير لم يمط عنه اللثام ولم يُسجَّل حتى الآن.
لقد تقدَّم الإمام البنا للحكومات والهيئات السياسية في مواجهة اغتصاب اليهود لفلسطين بمشروعين:
مشروع سياسي ومشروع عسكري جهادي متلازمين، ..وبلور المشروع السياسي في المذكرة التي أرسلها لجامعة الدول العربية عام 1947.. م بأن تتحرك الجامعة للضغط على الحكومات العربية باتخاذها موقفًا موحدًا، …وإعلانها جميعًا الجهاد حتى تجلو الصهيونية.. عن البلاد أو يوافق اليهود على أن يعيشوا مع العرب.. في ظل الدولة الفلسطينية الحرة على أن يرد إلى وطنه الأصلي كل يهودي دخيل بعد الحرب العالمية. وأن يكون الواقع الميداني على أرض فلسطين هو الحاسم في فرض هذا الأمر.
وأما المشروع العسكري فقد كان حول الاعتماد على المقاومة الفاعلة الميدانية وإعطاء الغطاء الشرعي لها والدعم اللوجستي من الحكومات العربية خاصةً المتاخمة لحدود [فلسطين] .
كذلك وأن تدع الحكومات فصائل المقاومة الفعالة من جميع الشعوب العربية والإسلامية.. وهي كثيرة أن تتحرك على ميدان فلسطين دون أن تلتزم هذه الحكومات بشيء أمام هيمنة الدول الكبرى عليها؛… وبذلك تستطيع أن تهرب من الضغط الذي تتعرض له.
وأن تكون هذه المقاومة مكافئة للواقع الذي تواجهه وتستطيع دحر وهزيمة العصابات الصهيونية، وأنها لن تقف عند أي حدود حتى تحقق الهدف وتغير الواقع الميداني على أرض فلسطين .
لكن هذه الحكومات العربية الهزيلة.. رفضت ذلك وانتهزتها فرصة للاستعراض وكسب البطولات وإطلاق الشعارات دون أن تدرك الواقع بعمق، وأن موازين القوى قد تغيَّرت بين جيوشها وبين تلك العصابات الصهيونية.
ومع ما قدَّمه الإمام البنا إلا أنه اختطَّ لجماعته مشروعًا إستراتيجيًّا.. بعيد المدى بشأن هذه القضية يرسخ فيه مبدأ المقاومة ، ويوظف طاقات الأمة، ويحافظ على الثوابت والأهداف.
الإمام البنا والمشروع الصهيوني
الأسس التي تقوم عليها الرؤية الإستراتيجية للمشروع الإسلامي
الشيخ أحمد ياسين
حدَّد الإمام الشهيد أسس ومنطلقات دائمة ومستمرة، يقوم عليها المشروع الإسلامي في التعامل مع القضية الفلسطينية، نشير بإيجاز إليها:
وضع القضية الفلسطينية في وضعها الصحيح ضمن المشروع الإسلامي المتكامل الذي تحمله، وتعمل له الجماعة؛ فهي قضية محورية ومعركة الإسلام الأولى في ذلك العصر.. وهي في نفس الوقت ضمن المحاور الأساسية لهذا المشروع، والذي يجب أن يسير متوازيًا في جميع محاوره.
علاوة على أن العمل على هذه القضية طوال مسيرة الجماعة؛ سيحتاج إلى تضحيات كثيرة، يجب أن تعد الجماعة نفسها لها، ولا تُوزن هذه التضحيات بحجم الفائدة منها، وإنما بأهمية الحدث والموقف ومسئولية الجماعة في المواجهة.
أن تحرص الجماعة على استمرار مشروعها في المواجهة مهما قلَّت الإمكانيات، وألا تُستدرج من قِبل الأعداء؛ فيتمكنوا من إنهاء حركتها أو إشغالها بعيدًا عن أصل القضية.
الحرص على الثوابت والمبادئ في هذه القضية، والثبات عليها مهما كانت الضغوط، ومهما ضعفت الإمكانيات.
كذلك فأن المعركة طويلة جدًّا، وستشمل أجيالاً عدة،.. وأن الأمر يحتاج إلى النفس الطويل وإلى خطوات متدرجة.
أهمية بقاء روح المقاومة و الجهاد مشتعلة في النفوس؛.. حتى وإن سُجن أفراد الجماعة أو مُنعوا من التحرك العملي للتعبير عن ذلك.
كذلك فإن أهمية إيقاظ الأمة وإشراكها وحشدها في هذه القضية،.. والتركيز على المنطلق الإسلامي،… ومساندتها لهذا المشروع (مشروع المقاومة و الجهاد لهذا العدو المغتصب).
وقد رسم الإمام الشهيد في هذا الشأن منهجية واضحة محددة؛.. سواء في تعامله مع الآخرين،.. أو في تعامله مع الأحداث والمواقف، أو في تناوله للأمور بصفةٍ كلية.
الإمام البنا والمشروع الصهيوني
فنرى في تعامله مع الآخرين الحرص على التواصل مع كل القوى السياسية والوطنية والمؤسسات والحكومات العربية… إلخ.
كذلك وإيجاد مساحة مشتركة للتعاون مع توضيح أبعاد هذه القضية لهم ومساحة الخطر التي تشمل الجميع، ..وكذلك استخدام وسائل النضال السلمي والشعبي ..لدفع الحكومات إلى اتخاذ مواقف إيجابية وتقوية ظهرها أمام الضغوط الأجنبية، ..مع الحرص على احترام القانون والدستور، ..وعدم الوصول إلى حالة الفوضى أو الصراع.
علاوة على ذلك الحرص على دعوة الإخوة المسيحيين،.. وإشراكهم كأبناء وطن واحد في هذه القضية المهمة،.. وكان الإمام الشهيد في أكثر من بيان يوجه نداءه “إلى الإخوة المسيحيين الأعزاء..”..، وقد شاركوا الإخوان في المؤتمرات والمظاهرات، وألقوا الكلمات.
أهمية وضوح الثوابت الإسلامية في هذا الأمر؛ مهما علا صخب المشروعات الأخرى..، وما تحمله من شعارات براقة تبتعد بها عن هذا الأصل..، وتلك الرؤية الإسلامية.
إخراج القضية عن مجرد حصرها في الفلسطينيين والأمة تساعدهم، ..إلى الرؤية الإسلامية بأنها قضية كل مسلم؛ ..فهي قضية الأمة الإسلامية جمعاء، لا يملك أحد أن يُفرِّط فيها حتى ولو تخلَّى عن هذه الثوابت أهلها.
كذلك أن تكون الرؤية الإستراتيجية في المشروع الإسلامي.. هي الحاكمة والموجهة لأي عمل أو تكتيك أو سياسة متبعة.
عدم الانخداع بالمؤسسات الدولية،… والتلويح بسياسة المفاوضات والحلول الجزئية،…أو القبول بأن ذلك هو البديل المتاح.
اليقين والأمل في نصر الله؛ مهما أحرز الأعداء من نجاح أو طال الزمن
الإمام البنا والمشروع الصهيوني
حركة المقاومة الإسلامية حماس
هي ممثل الاخوان المسلمين في فلسطين
بيان صحفي صادر عن حركة حماس في ذكرى الوعد المشئوم .. لن ننسى ولن نغفر
في ذكرى وعد بلفور المشئوم تتداعى إلى الذاكرة مأساة فلسطين .. الأرض والمقدسات والإنسان .. وتطرح العدالة نفسها أمام سؤال كبير بات يؤرق الضعفاء في هذا العالم المتحضر، هل من حق أوروبا أن تمنح أرضنا لليهود؟ لتكفر عن ذنبها الذي اقترفته بحق هؤلاء الناس ؟ وهل من حق اليهود أن يغتصبوا أرضنا ويتناسوا جريمة الأوربيين بحقهم ويسقطوا جام غَضبهم علينا.
في ذكرى وعد بلفور لن ننسى ولن نغفر ولن نتنازل عن ذرة من حقوقنا ولا حقوق أجيالنا،.. وإذا كان آباؤنا وأجدادنا قد سلموا الراية خفاقة فسنسلمها للأجيال من بعدنا مشرقة عالية لا تنحني لها هامة.
كذلك فإننا في حركة المقاومة الإسلامية حماس.. وإذ نستعيد هذه الذكرى الثانية والستين لا يمكننا أن نقف عاجزين مستسلمين أمامها، ..وإنما نستحضر الألم، لنستجمع الهمم، ..ولنشحذ الإرادة لاستعادة الحقوق،…وتطهير المقدسات، ..وعودة المشردين في أصقاع الأرض، إلى ديارهم وبيوتهم، التي شردوا منها، ونحرر الأسرى الأبطال، ونرسم البسمة على وجوه الأجيال.
الإمام البنا والمشروع الصهيوني
وفي هذه الذكرى المؤلمة نود أن نؤكد على ما يلي:
أولاً: أن ثقتنا عالية بالنصر المحتوم واسترداد الحقوق وهذه الثقة مصدرها القرآن الكريم.. وسنن الكون والتاريخ التي تلفظ الظلم وتنصف المظلومين.
ثانياً: على أوروبا وبريطانيا بشكل خاص …أن تتحمل المسئولية الأخلاقية عن الجريمة التي ارتكبتها بحق أبناء شعبنا الفلسطيني.
ثالثاً: كل العرب والمسلمين حكاما وشعوبا …مطالبون ببذل كل طاقاتهم لتحرير فلسطين والمقدسات التي دنسها الاحتلال.
رابعاً: نحن مع المصالحة الوطنية التي هدفها إنها الانقسام.. وحشد ورص الصفوف من أجل مواصلة المقاومة لدحر الاحتلال وعودة اللاجئين.
خامساً: ندعو جماهير شعبنا إلى الالتفاف حول خيار المقاومة،.. وغرس ثقافة الحرية في نفوس الأجيال ،حتى تظل الراية خفاقة، إلى أن نمسح عار بلفور المشئوم ونستعيد الأرض والكرامة المهدورة.
المصدر: رسالة الإخوان 6-11-2009
18ذي القعدة 1430هـ العدد 615