حبل الله المتين
كانتِ البشريّةُ تعِيش في ظلامٍ دامِس …ولَيل بهيمٍ،.. حتى أكرَم الله هذه البَشريّةَ وأنزل علَيها القرآن…؛ ليخرِجَها من الظلمات إلى النّور …ومِن الخضوعِ للأوثان والأصنامِ… إلى خضوعٍ كامِل للواحِد الديّان.
كذلك أنزل الله القرآنَ معجزةً خالِدة، …وتحدَّى به الثّقلَين،.. فأذعَن لفصاحَتِه بلَغاؤُهم،.. ،.. وانبَهَر بأسرَارِه علماؤهم،.. وانقطَعَت حُجَج معارِضيه،.. وظهَر عَجزُهم، ..كيف لا وهو كلام الحكيمِ الخبير ..الذي لا يطاوِله كلام ولا يجاريه أسلوب؟! قولُ إيجازٍ وآياتُ إعجاز.
علاوة على ذلك فقد يسَّر ذكرَه للذاكرين، ..وسهَّل حِفظَه للدّارسين،.. فهو للقلوبِ ربيعُها…، وللأبصارِ ضياؤها، …جعَله الله نورًا، وإلى النّور يهدِي،… حقًّا وإلى الحقِّ يرشِد،… وصِراطًا مستقيمًا ينتهي بسالِكيه إلى جنّةِ الخلد…، كذلك ولا تملُّه القُلوبُ،.. لا تتعَب من تلاوته، لاَ يخلَق معَ كثرةِ التّرداد.
حبل الله المتين
كذلك القرآن دليلُ دربِ المسلمين، …دُستور حياةِ المؤمِنين، …هو كلِّيّةُ الشريعة،.. عَمود الملّةِ،.. ينبوع الحكمة،.. آيَة الرِّسالة، نور الأبصار والبصائر…، لا طَريقَ إلى الله سواه، ولاَ نجاةَ بغَيره، وإذا كانَ كذلك لزِم مَن رامَ الهدَى والنّورَ والسعادة في الدّارين أَن يتَّخِذه سَميرَه وأنيسَه، وأن يجعلَه جليسَه على مرِّ الأيّام واللّيالي،… نَظرًا وعمَلاً، …لا اقتصارًا على أَحدِهما،.. فيوشِك أن يَفوزَ بالبُغيةِ، وأن يَظفرَ بالطّلبَة،… ويجِد نفسَه معَ السّابقين وفي الرَّعيل الأوّل.
علاوة على ذلك فالجيلُ الأوّل في صدرِ الإسلام ساروا على نهج القرآن، ..فأصبَحوا خيرَ أمّةٍ أخرِجَت للناس…، لم يكُن القرآن عندَهم محفوظًا في السّطور،… بل كان مَكنونًا في الصّدور ومحفوظًا في الأخلاقِ والأعمال،..يَسير أحدُهم في الأرضِ وهو يحمِل أخلاقَ القرآن وآدابَه ومبادِئَه.
كذلك ففي النهاية شَهِد الأعداء بعظمةِ القرآنِ وسموِّ معانيه، فقد أتَى الوليد بنُ المغيرةِ مرةً إلى الرسولِ يقول: يا محمّد، اقرَأ عليّ القرآنَ، فيقرَأ عليه الصلاة والسلام: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل:90]، ولم يكَد يَفرغ الرسولُ مِن تلاوتها حتّى يطالِب الخَصمُ الألَدّ بإعادَتها لجلالةِ لفظِها وقدسيّه معانيها، مأخوذًا برَصانَة بنيانها، مجذوبًا بقوّةِ تأثيرها،
كذلك ولم يَلبَث أن يسجِّل اعتِرافَه بعظمةِ القرآن قائلاً: والله، ..إنَّ لَه لحلاوةً، وإنّ عَليه لطَلاوَة،… وإنّ أسفَلَه لمورِقٌ…، وإنَّ أعلاَه لمثمِر، وما يقول هذا بشر”(رواه البيهقي في دلائل النبوة وفي الشعب 1/156).
علاوة على ذلك فيخبِر الربُّ تبارك وتعالى عن عَظمةِ القرآنِ وجَلاله، …وأنّه لو نزل على صُمُّ الجبال لتصدَّعت من خَشيةِ الله:.. {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}
هناك معضلة بيننا وبين القرآن وهي التعظيم .