الإقناع والتأثير في الآخرين إحدى أهم المهارات في الحياة، والتي تعمل على الكثير من الوقت والمجهود في تغيير السلوك والقناعات والتفكير تجاه أمور بعينها، والأشخاص الذين يمتلكون هذه القدرة هم أشخاص لهم تأثير مباشر وقوي في المجتمعات، وتتم عملية الإقناع غالبا من خلال توصيل رسالة أو منطق أو معلومات ومشاعر أو كل هذا مجتمعا للطرف الأخر المراد تغيير موقفه أو سلوكه أو وجهة نظره.
وقد يصل الإقناع بالشخص لتغيير نمط تفكيره ومعيشته، بل ودينه وعقيدته في بعض الأحيان، وعندما تتوفر في الشخص مقومات ومهارة الإقناع فإنها توفر عليه استخدام الأساليب الخاطئة في تغيير الآخرين أو التأثير عليهم عند الحاجة لذلك.
هل ينجح الجميع في الإقناع؟
الإقناع هو مهارة تنقسم لقسمين، الأول وهو فطري يمارسه بعض الأشخاص بلا اكتساب أو تعلم، والقسم الأخر هو سلوك مكتسب يحتاج للتعلم والممارسة وتنمية المهارة نفسها، فالشخص الذي لا يمتلك هذه الموهبة ولا يتعلمها يضطر لاستعمال وسائل خاطئة في الإقناع والتأثير على الاخرين مما يجعله شخصا غير مرغوب بل وقد ينفر الاخرين منه.
عندما نفشل في الإقناع:
عندما نفشل في الإقناع نلجأ لاستخدام طرق أخرى خاطئة في التأثير على الآخرين وتغيير وجهات النظر عند الحاجة لذلك وهذه الوسائل تتلخص في الآتي:
الإلحاح:
والاعتقاد بأن الطلب المتكرر والتذكير المستمر للأخرين بتنفيذ أمر محدد سيدفعهم لتنفيذه في نهاية المطاف هو اعتقاد خاطئ؛ لأنهم إن فعلوا فقد فعلوه رغبة في التخلص منك، ولكن بعد فتره سيملون ويغضبون ثم يثورون عليك وينفروا منك.
الترهيب:
الابتزاز والترهيب والتخويف كلها وسائل فاشلة في تغيير السلوك أو اقناع شخص بفعل معين، وذلك لأنها من وسائل استخدام القوة، فيلتزم الطرف الاخر بما طلبته خوفا منك ولكن سيتحين الفرصة للهروب مما أجبرته عليه لعدم وجود الدافع الشخصي.
التحدث دون استماع للآخر:
أحيانا من يفتقد الإقناع يلجأ للكلام الكثير المستمر، دون توقف لمعرفة رغبات الطرف الآخر او محاولة تفهم احتياجاته وثقافته ونمط تفكيره، فهو لا يحاوره ولكنه فقط يتحدث، وهذا نراه كثيرا من مندوبين المبيعات والذي غالبا ما يأتي بنتائج عكسية.
إظهار الحماس المبالغ فيه:
يخيل للبعض أن إظهار الحماس والشغف هو السبيل الوحيد لإقناع الآخرين والتأثير فيهم، لا أحد ينكر بالطبع أهمية الشغف والحماسة في تحقيق الأهداف، والتأثير على آراء الآخرين، لكن المبالغة والإفراط فيهما سيأتي بنتائج عكسية.
كيف نطور مهارات الإقناع؟
كما رأينا أن الإقناع من أهم المهارات التي تمكن الشخص من التغيير في المجتمعات عبر طرق التفكير والقناعات والسلوكيات، لذلك كل مهتم بالشأن العام، والراغب في التغيير والوصول بالمجتمعات عامة والعربية خاصة لمكانة أفضل؛ فعليه أن يطور إمكانياته في هذه المهارة، لذلك علينا إتباع بعض الخطوات تتلخص في الآتي:
* اعثر على نقاط مشتركة:
العثور على النقاط المشتركة هو أحد أقدم وأهم الوسائل المستخدمة في بناء التواصل الإنساني، وتكون هذه النقاط كالاهتمام المشترك بفن من الفنون أو المهارات، مثل هذه الأمور ستجعل الطرف الآخر يشعر بأنه مرتبط بك على نحو ما، ويمكنك بعدها الاستفادة من هذه المشاعر في بناء الثقة المتبادلة التي تعد عنصرا أساسيا من عناصر الإقناع، فلن تتمكن من إقناع أحدهم بأمر ما إن لم يكن واثقا بك.
*وضح للطرف الآخر كيف يمكنك أن تخدمه:
قبل أن تبدأ بإلقاء محاضرتك لإقناع أحدهم بوجهة نظرك، فكر في الطريقة التي يمكن أن تساعده بها، يمكنك فعل ذلك من خلال البحث المتعمق، أو من خلال سؤال هذا الشخص عن مشكلته، ومن ثم التفاوض معه وطرح وجهة نظرك بطريقة تقدم له حلا يخدمه.
* استخدم السرعة المناسبة في حديثك:
هل لاحظت مدى سرعة مندوبي المبيعات في الحديث؟ وهل سبق لك أن تساءلت عن السبب وراء ذلك؟ في الواقع، هناك سبب مقنع، إذ تشير عدد من الدراسات إلى أن التحدث بسرعة يزيد من نسبة اقتناع البعض بما تقوله، ولكن هذه ليست الحال على الدوام
ولكن يمكنك اتباع قاعدة مهمة جدا فيما يتعلق بسرعة حديثك وهي أنه وقتما تشعر أن الطرف الآخر سيعارضك الرأي على الأرجح، اجعل حديثك أسرع، أما إذا أبدى اتفاقا معك فأبطئ في الكلام.
ويمكن تفسير هذا الأمر بأنه عندما تتحدث بسرعة فأنت لا تعطي للشخص الذي أمامك وقتا كافيا للتفكير في كلامك، وتزيد بذلك من فرصك في إقناعه، أما في حال كان الطرف الآخر يملك استعدادا للاقتناع بما تقوله، فالتحدث ببطء سيتيح له مراجعة كلامك في رأسه وإقناع نفسه بنفسه.
* تحدث عن الجوانب الإيجابية والسلبية:
حيث أن مشاركة الجوانب المتناقضة لوجهة نظر معينة يزيد من نسبة اقتناع الأشخاص بها.
يعود السبب وراء ذلك لأنه ما من وجهة نظر مثالية، ومن يسمعك يدرك هذا الأمر، فهو يعلم أن هناك منظورا آخر ومخرجات محتملة أخرى غير التي لديك، فلماذا إذن لا تستغل هذا الأمر، وتحدثهم عن هذه الجوانب، ناقش معهم السلبيات المحتملة لوجهة نظرك، ثم وضح لهم بعدها كيف تسعى للتغلب عليها، سيصبح الآخرون أكثر اقتناعا بكلامك حينما يلحظون أنك تدرك احتمالية الخطأ فيها، لأنك في هذه الحالة قد وضحت لهم بطريقة غير مباشرة أنك درست جميع جوانب القضية ومستعد لجميع الاحتمالات.
*اختر طريقة التواصل المناسبة:
فالأمر عند الرجل يختلف عن النساء فمثلا إن كنت رجلا ترغب في إقناع آخر لا تعرفه جيدا بأمر ما، فالأفضل هنا أن تتواصل معه بشكل غير شخصي، كأن ترسل له بريدا إلكترونيا مثلا، ذلك أن الرجال وبشكل عام يميلون للشعور بروح المنافسة خلال عملية التواصل الشخصي، الأمر الذي يجعلهم يحولون حوارا طبيعيا إلى مسابقة لابد لهم أن يفوزوا فيها،
والعكس صحيح فيما يتعلق بالنساء، فهن يركزن أكثر على بناء العلاقات المشتركة، لذا من الأفضل التحدث الشخصي عند محاولة إقناعهن بوجهة نظر معينة.
* خاطب الآخرين بأسمائهم:
وتفسير ذلك بسيط للغاية، فعقلنا الباطن يستجيب لا إراديا حين سماع اسمنا، ويصبح أكثر تجاوبا في الحوار؛ فاحرص على مخاطبة الطرف الآخر مستخدما اسمه بطريقة ذكية تمنحه شعورا كافيا بالرضا ليقتنع بما تقول، ولكن من دون أن تبالغ في ذلك.
*حاول تقليد حركات الطرف الآخر:
لا تتم عملية التواصل من خلال الكلمات وحسب، إذ تلعب لغة الجسد دورا مهما وكبيرا فيها، ويمكن أن تكون مفتاحا أساسيا للتأثير في الآخرين وإقناعهم.
وإحدى الخدع البسيطة المتعلقة بلغة الجسد هي خدعة المرآة، كأن يقوم محدثك بحركة معينة مثل تشبيك اليدين مثلا ،فيمكنك تقليد نفس الحركة لكن بعد عدة لحظات من قيامه بها مع الحرص على فعل ذلك بطريقة عفوية لا يلاحظها، الفت انتباهه إلى أمر ما، أو ابدأ جملة جديدة وقم بتلك الحركة لحظتها، فأنت قلدته واستخدمت لغة جسده دون أن يشعر، ودون أن يبدو الأمر غريبا، يمكنك تكرار هذه العملية عدة مرات خلال تحادثك مع هذا الشخص لكن لا تبالغ فيها، ولا تقلد التصرفات السلبية، مثل نظر أحدهم إلى ساعته عند شعوره بالملل، أو تصفح الهاتف أو غيرها.
ومن هذا فإن الإقناع مهارة وفن من الجيد أن نكتسبها وننميها بالممارسة والتدريب الجيد، وذلك بهدف التمكن من الوصول لقلوب الآخرين، لإحداث تغييرات مجتمعية أصبحت مطلوبة في كثير من النواحي، مثل تغيير السلوكيات المجتمعية والحد من الظواهر الاجتماعية الفاسدة، والتأثير على أولادنا والوصول بهم لمجتمع نظيف خالي من التشوهات الخطيرة التي أحدثت به، وذلك ابتغاء الوصول للمجتمع الإسلامي الذي ارتضاه لنا ديننا الحنيف.