هو الشهيد الحي .. الذي شاهد كل فصول محنة الإخوان .. وحكم عليه بالإعدام .. ثم خفف إلى المؤبد .. فكتبت له حياة جديدة .. وأشيع خبر موته .. في سجون عبد الناصر .. من شدة ما لاقاه من تعذيب .. ثم كان قدر الله .. أن سخر له يهوديا سجينا .. ليضع في فمه قطرات من الماء .. لتعيد إليه الحياة بقدر الله .. ليستأنف المسيرة في الدعوة إلى الله.
كان شاهدا رئيسيا على أحداث كبرى داخل الجماعة بصفته أحد الذين عايشوها مثل استشهاد الإمام البنا وما أثير ضد الشيخ حسن الهضيبي، المرشد العام الثاني لجماعة الإخوان المسلمين، والعلاقة مع قادة حركة يوليو ،والعمل الإسلامي في الخارج، والتجربة البرلمانية الإخوانية .
في ذكرى استشهاد هذا البطل نحاول أن نتعمق في حياته ؛ لنعرف من هو هذا الرجل الذي كان يعيش بيننا ، والذي قد أدى ما عليه في حياته ، باذلا روحه وماله وعلمه في سبيل دعوته ، ووطنه ، نحسبه لم يبتغي غير وجه ربه الكريم، فهيا بنا نرى حياة هذا البطل الهمام .
نشأة عاكف :
محمد مهدي عاكف، الذي ولد في 12 يوليو/تموز 1928، بإحدى قرى محافظة الدقهلية ، التحق بمدرسة المنصورة الابتدائية ،ثم التوجيهية بمدرسة فؤاد الأول الثانوية بالقاهرة ثم التحق بالمعهد العالي للتربية الرياضية، عمل بعد تخرجه بمدرسة (فؤاد الأول) الثانوية مدرسا للتربية البدنية ، والده كان رجلا ميسورا له عشرة إخوة وأخوات ، حرص والده على تعليمه وإخوته جميعا.
متى عرف مهدي الإخوان المسلمين ؟
في القاهرة تعرف إلى الإخوان في «شعبة» حي السكاكيني بوسط القاهرة، وكانت من أوائل شعب الإخوان، وكانت المجموعة التي تعرف إليها متفردة، ومن بينها الأساتذة إبراهيم الطيب والشيخ عبد المجيد العيسى وعبد المجيد أحمد حسن والدكتور الأبيض وعادل كمال، وغيرهم وقد تتلمذ في الإخوان على يد الإمام البنا رحمة الله عليهما .
تدرج في الإخوان، حتى صار مسئولا عن مدرسة فؤاد الأول الثانوية وكان ذلك سنة 1943/1944م، وكانت تلك المدرسة هي معقل حزب الوفد، لكن تحولت بعد ظهور الإخوان فيها وكانت كل المدرسة تعرفه لأنه رياضي ؛ فالتف الشباب حوله .
نشاط عاكف في الإخوان :
التحق بكلية الحقوق 1951م، ورأس معسكرات جامعة عين شمس في الحرب ضد الإنجليز في القناة حتى قامت الثورة
آخر موقع شغله عاكف في الإخوان قبل صدور قرار بحل الجماعة عام 1954م هو رئاسة قسم الطلاب .
ثم رئيساً لقسم التربية الرياضية بالمركز العام للإخوان المسلمين.
كما اشترك في تنظيم المخيمات للشباب الإسلامي على الساحة العالمية بدءا من السعودية، والأردن، وماليزيا، وبنغلاديش، وتركيا، وأستراليا، ومالي، وكينيا،
وقبرص، وألمانيا، وبريطانيا، وأمريكا.
كان مديرا للمركز الإسلامي بميونخ.
وقد شغل عضوية مكتب الإرشاد وهي أعلى قيادة داخل الجماعة منذ عام 1987م حتى أكتوبر 2009.
انتخب عضوا بمجلس الشعب سنة 1987م عن دائرة شرق القاهرة، وذلك ضمن قائمة التحالف الإسلامي التي خاض الإخوان الانتخابات تحت مظلتها.
ثم تولى منصب المرشد العام للإخوان المسلمين في 14 يناير من عام 2004م بعد وفاة المستشار محمد المأمون الهضيبي، واستمر حتى انتهت فترة ولايته، ورفض إعادة انتخابه مرشدا للإخوان وترك المنصب بعد انتخاب د. محمد بديع مرشدا خلفا له في 16 يناير 2010م.
وكان قد اختير في المرتبة ال12 ضمن 50 شخصية مسلمة مؤثرة في عام 2009 في كتاب أصدره المركز الملكي للدراسات الإستراتيجية الإسلامية وهو مركز أبحاث رسمي في الأردن حول أكثر 500 شخصية مسلمة مؤثرة في عام 2009.
بداية النهاية :
ألقي عليه القبض في يوليو 2013 ، وظل عاكف محبوسا على ذمة القضية المعروفة إعلاميا “بأحداث مكتب الإرشاد” عام 2013، التي وقعت فيها اشتباكات بين أنصار جماعة الإخوان المسلمين ومعارضيها، والتي قضت محكمة الجنايات على إثرها بسجنه 25 عاما، لكن محكمة النقض ألغت الحكم في كانون الثاني/ يناير 2016، لتعاد محاكمته من جديد.
وفاة الأستاذ البطل :
توفي الأستاذ محمد مهدي عاكف يوم الجمعة 1 محرم 1439 هـ الموافق 22 سبتمبر 2017م، عن عمر يناهز 89 عاما، في مستشفى قصر العيني بالقاهرة، حيث كان يقضي فترة حبس على ذمة قضية «أحداث مكتب الإرشاد»، كما تعرف إعلاميا، بعد أن كان قد نقل في وقت سابق من السجن، إلى المستشفى المذكور للعلاج، حسب أسرته ومصادر بجماعة الإخوان المسلمين.
كانت وفاته قتل ممنهج وجريمة مكتملة الأركان، فيما أصدرت الجماعة بيانا حملت فيه السلطات المصرية المسؤولية الكاملة عن وفاة مرشدها السابق لإصرارها على حبسه رغم مرضه وتقدم عمره فتعمدت قتله.
ومنع النظام إقامة جنازة له، وأجبرت أُسرته على دفنه الساعة 2 فجرا، وسمحت لـ 4 أشخاص فقط بدفنه لتكتمل باقي فصول الظلم في قصته .
من أجمل ما قيل في الشهيد عاكف :
وصفت جماعة إخوان الأردن في بيان لها عاكف بأنه “فارس الموقف والكلمة، الذي لاقى وجه ربه مؤمنا صابرا محتسبا ثابتا على المبدأ، لينطبق عليه قوله تعالى: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُم مَّنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّنْ يَنتَظِرُ، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
قال د يوسف القرضاوي (عرفت مهدي عاكف رجلا قويا صلبا لا يلين شامخا لا ينكسر مستقيما لا ينحني وعرفته في المحنة صابرا مرابطا حتى مات في محبسه راضيا مرضيا ).
قال د علي القرة داغي ( كان مهدي عاكف من المصلحين الذين وهبوا حياتهم لله ووضعوا أرواحهم على أكفهم رخيصة لله ولإصلاح مجتمعاتهم وإخراجها من ظلمات الظلم إلى نور العدل ).
انتهى مقالنا عن هذا البطل المغوار، ولكن يظل هذا المقال مجرد تعريف سطحي بقشور من حياة هذا البطل الذي تمتلئ حياته بالقصص التي يجب أن تدرس للأجيال ؛ حتى يستوعبوا كيف تكون حياة الأبطال ،وكيف تكون كلها لله ومماتهم في سبيل الله ،غاية يحيون بها ويبذلون لها ويموتون عليها .