الريسوني ..
في الوقت الذي كان فيه الرئيس الشهيد .. #محمد_مرسي– يرحمه الله- .. أسيرًا مُختطَفًا مظلومًا .. في غياهب سجون الانقلاب والبغي .. قد اجتمع عليه العذاب البدنيّ .. مع العذاب المعنويّ .. ولا يدري بحاله إلا الله .. حتى في أثناء المحاكمات الهزْلية .. كان يُضرَب حوله قفصٌ زجاجيٌّ .. في سابقة من الظلم والحرمان .. لم يعهدها الناس .. في تاريخ الحضارة والإنسانية المعاصر .. حتى ارتقت رُوحُه الطاهرةُ .. بين جدران تلك الأقفاص الأليمة .. تشكو إلى الله الظلم والقهر ..
تصريحات الريسوني ..
أقول: في هذه الأثناء كان #أحمد_الريسوني يقول بملء فيه عبارتَه السيئة: “لقد كنتُ مرتاحا جدًّا .. لإزاحة مرسي من الرئاسة .. وفرحتُ لذلك، لأنها كانت رئاسةً في غير محلها”، كما لم يَسْلم الإخوانُ المسلمون – وخاصة في مصر- من ظلمِ أحكامه، وسوء كلامِه!
ما القصة ؟
وقد كتبتُ قبل ثلاث سنوات مقالا بعنوان “ملاحظات على حوار الدكتور “الريسوني”؛ رددت فيه على بعض تصريحاته وأحاديثه الإعلامية المجافية للخلُق، والإنصاف، والكاشفةِ عن التباس فكره بخصوص رئاسة الرئيس مرسي، والشأنِ المصريّ، ورؤيتِه السياسية المشوّشة، ونُشر هذا المقال في أكثرَ مِن موقع، في ديسمبر 2016، ولكن لاحظت أن المقال لا وجود له بعد ذلك، ولا أدري ما السبب!
لذا أعدت نشر المقال، وغيرتُ عنوانه، إلى ما هو كائنٌ الآن، مع بعض التعديلات القليلة، ثم إضافةِ جزءٍ في نهايته بعنوان: “تعقيب على جدال شيعة الريسوني ومجامليه”، كنت قد نشرته منفصلا وهذا على النحو الآتي:
في حوار منسوب إليه مع “الأيام الأسبوعية” المغربية، ونقَله موقع “عربي 21” (الجمعة 25 نوفمبر 2016)؛ جاء في كلام الدكتور “الريسوني” ما يدعو للعجب مِن الخلط والمجازفة في إصدار الأحكام، بل ما يجعله هو يبدو في ضحالة فكرية فيما يتعلق بالواقع المصري، وإن كان يتهم قيادة الإخوان بالضحالة الفكرية.
(1)
وفي البداية أودّ التأكيد على أنّه لا تثريب على الدكتور “الريسوني” أنْ يتفق أو يختلف مع قرارات الإخوان أو غيرهم، ولكن أمانة العلم والفكر تقتضي بيانَ ما في كلامه مِن خطأ، حتى لا يغترَّ به أحد.
وأولُ ما يلفت النظرَ في الحوار تلك العبارةُ المنسوبةُ إليه، وهي قولُه: “لقد كنتُ مرتاحًا جدًا لإزاحة مرسي من الرئاسة وفرحتُ لذلك، لأنها كانت رئاسة في غير محلها”.
ولنا على هذه العبارة ملاحظة شكلية، وأخرى موضوعية:
أما الملاحظة الشكلية فيبدو أنها عبارة غير موفّقة في صياغتها، وتفتقر إلى الذوق واللياقة والتأدب الذي يجدر بطلاب العلم، فضلا عن العلماء، بل هي منافية للمروءة، قادحة في العدالة!
كما أنّ مفرداتِها لا تناسب السياق بحال (مرتاحًا ـ جدًّا ـ لإزاحة ـ مرسي ـ رئاسة في غير محلها) !!
يا أخي هوِّن عليك! هل أعجزتْك القريحةُ عن أنْ تقول مثلا: “لم أَحزن للانقلاب على الرئيس مرسي، فلعله كان خيرًا، من باب: لَا تَحْسَبُوهُ شَرًا لَّكُمْ”؟
فإنّ إزاحة الرئيس “مرسي” ليست شيئا يدعو مثلَك أو أيَّ مسلم واعٍ مخلص لأن يفرح لها.
وأنت تعلم أنّ المسلمَ يجب عليه شرعا أنْ يُحبّ لأخيه ما يُحب لنفسه، ويكرهَ له ما يكرهه لها.. هذا أول.
والثاني: تتكلم بتلك العبارة غير اللائقة وكأنك تتكلم عن إزاحة “بن علي”، أو “القذافي”، أو “مبارك”!
وأما قولك: “لأنها كانت رئاسة في غير محلها” فهذا خطأ بيِّن، وتدليس ظاهر!
ألم تعلم بأنّ الرئيس “مرسي” حاكمٌ مسلمٌ انعقدَتْ له البيعةُ الشرعية، واعترفَت به الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية رئيسًا لمصر.
ألم تعلم بأنّه حاكم مُقسِط لم يفعل ما يستوجب عزلَه شرعا؟
هل الرئيس “مرسي” تسلط على رقاب الناس وأبشارِهم، واستولى على السلطة بغير وجه حق؟!
ثم إن إزاحة مرسي كانت قتلًا وتشريدًا وسجنًا للأبرياء، وإهدارًا للحريات، وخدمة لبني ص h يون، فهل هذا مما يبعث في نفسك كل تلك المشاعر التي صرّحْت بها؟!
(2)
الإخوان على الترشح للرئاسة
أما عن موضوع إقدام الإخوان على الترشح للرئاسة؛ فهذه مسألة اجتهادية اتفَقَ معهم فيها مَن اتفَقَ واختلَفَ مَن اختلَف.. ولا مشكلة.
لكنّ الذي يدعو للعجب أنّ كل مَن كان يرى عدم الترشح مِن قبَل الإخوان يتناسى الآن جذور البلاء، ومكمن الداء!
يتناسى أنّ المشكلة في دبابة العسكر، وفي مؤامرة دولية وإقليمية باتتْ ظاهرة لكلّ أعشى، وليس في ترشح الإخوان.
أما الرئيس “مرسي” فقد أبلى بلاء حسنًا وحقق من الإنجازات في عامٍ واحدٍ ـ على المستوى الاقتصادي والتعليمي والصناعي … ـ ما لم يُحققه غيره من رؤساء العرب في سنوات، وضرب مثلا للحاكم المسلم المقسط، الورع المتعفف عن أموال الشعب.
لكن الذي يدعو للغرابة، بل يكشف عن سطحية الدكتور “الريسوني” وضحالته الفكرية في فقه الواقع الذي يتصدى للحديث عنه، وهو الحالة المصرية؛ أنه يقول: “حتى بعد الرئاسة نصحهم بعض الإخوان من الحركة والحزب بأن يتخلى مرسي عن الرئاسة، وأن يدعم الإخوان مرشحًا يكون فقط يحترم الحريات والديمقراطية، مثل عمرو موسى أو البرادعي، وهم تعجبوا واستهجنوا هذا الكلام الذي لم يكونوا يرون له مكانًا، ولكن الآن يتمنون لو فعلوا ذلك”.
ألا تعرف يا دكتور “ريسوني” كُلًّا مِن “عمرو موسى ربيبِ نظامِ مبارك، والبرادعي صنيعةِ الغرب، وأنّ كليهما لا يطيق رائحة الإسلام، ولا يفهم الحرية والديمقراطية أكثر مما يفهمهما “مبارك” وأمثالُه؟!
هل يخفى عليك هذا حقًّا؛ أمْ أنه لا مشكلة عندك في عودة النظام العلمانيِّ الاستبداديِّ الكارهِ للإسلام والإسلاميين مرة أخرى على يد أمثال “عمرو موسى” و “البرادعي”؟!
وتزعم أنّ الإخوان الآن يتمنون لو قدّموا أحدَهما؟!
يا أخي أنت تعلم أنّ أهل الثغور يفتيهم علماء الثغور.. وأهلَ مكة أدرى بشعابها.
(3)
الربيع العربي ومآلاته
ثم يقارن الدكتور “الريسوني” بين قيادة الإخوان، وكلٍّ من “الغنوشي” و “عبد الفتاح مورو”، حيث يقرر- كما نُسِب إليه في الحوار- أن قيادة الإخوان الحالية “ضحلة مقارَنة بالشيخ راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو في تونس؛ فإنهم لامعون في الفكر، ومثقفون حقيقيون”.
وأقول: مرة أخرى يعود إلى ما لا يَحسُن مِن الأسلوب، ويكفي مِن العبارة- مع الأسف- خروجُها عن اللياقة والموضوعية.
وماذا أنجز الغنوشي، وماذا فعل لمواجهة انقلاب #قيس_سعيد في تونس؟ لا هو استطاع إنقاذ حركة #النهضة، ولا قدر على حماية مكتسبات الثورة، والأوضاع- مع الأسف- في غاية السوء، وكم يحزننا هذا الواقع المؤلم.
ثم يقول: “فالشخص إذا أصبح عالِمًا في جماعة الإخوان المسلمين لا بد أن ينصرف لكي يبقى عالمًا، وإذا كان مفكرًا لا بد أن ينصرف لكي يبقى مفكرًا، لأنه داخل الجماعة ينبغي ألا تكون مفكرًا ولا عالمًا، ولذلك يوسف القرضاوي ترك جماعة الإخوان المسلمين منذ 60 سنة، وترك الجماعة وتخاصم معهم، وانصرف عنهم مطرودًا، والسيد سابق خرج منهم، والغزالي كذلك، وهم أبرز الشخصيات”.
والواقع أنّ هذا الكلام فيه قدْرٌ كبيرٌ مِن المبالغة والمجازفة في الأحكام.
الجماعة كأي تنظيم هناك مَن يغادرها، عالِمًا كان أم غير عالم، وهناك مَن يقتنع بالبقاء فيها عالِمًا كان أم غير عالم.. ولا مشكلة.
لكن أنْ يَصدُر حكم عامٌّ بأنّه لا مكان لعالم أو مفكِّر داخل الجماعة لأنهما لا يجتمعان؛ فهذا كلام غير دقيق.
والواقع يردُّه..
وإذا كان قد ترَك الإخوانَ أناسٌ مثلُ الذين ذكرَهم الدكتور “الريسوني” فقد تمسك بها ورآها أملًا للأمة في محنتها الراهنة خلقٌ كثيرون مِن أهل العلم والفكر، مع ما يعتريها مِن خطأ بعض قياداتِها، وما تحتاج إليه مِن تجديد وإصلاح.
وأذكر في هذا السياق علماء ومفكرين مثل الدكتور “سيد نوح”، ومِن قبله الدكتور “مصطفى السباعي”، ومِن قبلهما الشهيد “عبد القادر عودة”، والدكتور عبد الكريم زيدان، والدكتور صلاح الدين الخالديّ- يرحمهم الله- والدكتور عبد المجيد النجار، والدكتور همام سعيد، والدكتور عبد الرحمن البر، وغيرهم كثيرون من العلماء الذين يسيرون في قافلة هذه الدعوة المباركة، ولا يتسع المقام ولا يسمح الأوان لذكرهم، يعمرون محاريب العلم، وينيرون جامعات الدنيا في المشارق والمغارب، وهؤلاء وأولئك قد حلقوا في سماء العلم والفكر، ولم تكبّلْهم الجماعة.
(4)
علماء جماعة الإخوان المسلمين
أما الشيخان “الغزالي” و “سيد سابق” وأمثالهما كالشيخ “البهي الخولي”- يرحمهم الله- فهؤلاء يا دكتور “ريسوني” ما تركوا الجماعة لأنها طارِدة للعلماء؛ بل لأنهم كانوا معترضين على أن يكون الأستاذ “الهضيبيّ”- يرحمه الله- “المرشدَ العامّ” خَلَفا للأستاذ “البنا”- يرحمه الله- فذهبوا مغاضِبين، ولم يطردْهم أحد.
وأما الدكتور “القرضاوي” فبعد أن خرج من السجن وسافر إلى عالَمه الخليجيّ اختار لنفسه طريقًا يرضاه، رأى أنه يحقق ما يريده علميًّا، ولم تختصم معه الجماعة ولا مع غيره ممن ذكرْتَهم.
وأقول لك:
إنّ الإنصاف يقتضي أنْ نقول: إنّ الإخوان هم الذين تبنوا كتابات “القرضاوي” و “الغزالي” و “سيد سابق” و “البهيّ الخولي”.. وأمثالِهم، وروَّجت لفكرهم ولأشخاصهم في العالم باعتبارهم علماء مبجَّلين ومفكّرين وموجِّهين، فسطع نجمُهم، بل روّجَت لكتبك أنت حين كان الناس مخدوعين فيك!
أليس هذا هو الواقعَ والحقيقةَ يا دكتور؟
وإلا فمَن الذي تبنَّى هؤلاء وفكرَهم؟
هل تبناهم السلفيون مثلًا، أو العلمانيون، أو القوميون، أو حزب التحرير، أو المتصوفة، أو جماعة التبليغ، أو الأنظمة الحاكمة؟
وأخيرًا:
أما تجربتكم في المغرب وتونس فلا تغترَّ بها كثيرًا، ولْتعلمْ أنّ موعد الحكم عليها وتقييمِها لم يحِن بعد، ونتمنى لكم النجاح والعافية.
غفر الله لنا ولكم.. وهدانا جميعا إلى سواء الصراط.
(5)
تعقيب على جدال شيعة الريسوني ومجامليه:
عندما انتقدْتُ ما قاله أحمد الريسوني بخصوص ارتياحه وفرحِه الشديد بعزل الرئيس محمد مرسي، وادعائه بأنها رئاسة لم تكن في محلها؛ كانت أغلب ردود مَن خالفوني- وهم من شيعة الريسوني ومجامليه- ردودًا غيرَ علمية، مبنيةً على الهوى، ولم أجد للكثير منهم حجة سوى اللف والدوران- كما هو شأن صاحبهم- وحصْر الأمر في المقاصد والنيات، وأنه كان يقصد كذا، ونيتُه كذا، ووجهة نظره من هذا الكلام كذا.. إلى آخر هذا الجدل العقيم والسفسطة!
وأقول لهؤلاء بأن الريسوني لم يعتذر عن كلامه، ولم يتراجع عن شيئ مما استدْركتُه عليه، لا شكلًا ولا موضوعًا، لا في العبارات ولا في المضامين .. هذا أول.
والثاني: أذكِّرهم بأن يراجعوا ما تعلموه بشأن ما ينبغي التعويل عليه في كلام أيِّ قائل، وما يجب أن يُحمَل عليه أيُّ لفظ؛ أهو الحقيقة أم المجاز؟ وهل العبرة بمدلول اللفظ الصريح أم بالتأويل المتكلَّف، واللجوء إلى اللف والدوران؟
لو أن شخصا قال لآخر «يا حمار»؛ على أي معنى يُحمل هذا اللفظ؟ أعلى مدلول مجازيّ، أم على معناه في الحقيقة وفيما يستعمله الناس؟
إنّ من القواعد الراسخة المُتفَّقِ عليها عند أهل العلم: «الأصل في الكلام الحقيقة» (1).
وبناء على هذا فإنّ «الواجب استعمال كلِّ لفظٍ في معناه الحقيقيّ» (2)، كما «أنّ إعمالَ كلامِ المتكلِّمِ مِن شارعٍ أو عاقدٍ أو حالفٍ أو غيرِهم، إنما يكون بحمْل ألفاظِه على معانيها الحقيقيةِ عند الخلوِّ عن القرائن التي تُرجِّح إرادةَ المجاز» (3).
«ولا يُصْرَف اللفظُ عن معناه الحقيقيِّ إلى المجازيِّ إلا عند عدم الإمكان؛ بأنْ تعذّرَت الحقيقة، أو تعسّرت، أو هُجِرَت، فيُصار إلى المجاز، ويُحمَل الكلامُ على المعنى المجازيِّ ضرورةَ عدمِ إهمالِ كلامِ العاقل، وتُطَبَّق قاعدةُ (إذا تعذّرَت الحقيقةُ يُصار إلى المجاز)» (4).
كما أنّ من القواعد المقررة كذلك: «استعمالُ الناسِ حجَّة يجب العمل بها» (5).
وأما في لغة التخاطب خاصة فقد قرر أهل العلم أنه: «يُحمَل كلامُ الناسِ على ما جرت به عادتهم في خطابهم» (6).
فاستقيموا لوجه الله..
ــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
- الأشباه والنظائر، للسيوطي. والأشباه والنظائر لابن نجيم.
- الوجيز في إيضاح قواعد الفقة الكلية، د. محمد صدقي آل بورنو.
- السابق.
- القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، د. محمد مصطفى الزحيلي.
- شرح القواعد الفقهية، أحمد بن الشيخ محمد الزرقا، القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، الوجيز في إيضاح قواعد الفقة الكلية، للبورنو.
- القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة.