يهـــــود هــذه الأمـــة
ظاهرة «علماء السَّلاطين» من أسباب تمكين الظَّلمة وتخلف الأمة، ومع أنَّ ظهورها قديم إلا أنَّ أثرها الكبير قد استفحل في هذا العصر بما لم يكن سابقًا، وللحدِّ من هذه الظاهرة لا بد من التَّعرف على تموضعها في بنيان الطغيان، وبيان أسبابها وآثارها السلبية على الأمّة، لنستنبط من معرفتنا تلك أهم الآليات للحدِّ من ظهورها.
لا شكَّ أن شرفَ العلمِ لا يعلوه شرف، وأنَّ مكانة العالِم لا يعلوها مكانة، وقد ذكر ذلك الحقُّ سبحانه وتعالى حيث قال: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: ١١]، وقال رسول الله ﷺ: (فضل العالِم على العابد كَفَضلي على أدناكُم)[1].
إلا أنَّ هذا الشرف قد يَضيع، وهذه المكانة قد تهوي -والعياذ بالله- إذا ابتغى العالم بعِلمِه هذا غيرَ وجهِ الله تعالى، أو جعل مِن عِلمِه هذا وسيلةً للحصول على المكاسب الدنيوية الزائلة، كالمال والجاه وغيرهما، وهذا ما يفعله علماء السلاطين.
والمقصود بعلماء السلاطين: فئة من علماء الدِّين جعلوا مِن أنفسهم مطيَّة للحاكم الظَّالم، يعطونه الشرعية لحكمه الظالم هذا، ويمنحونه الفتوى التي يريد، في الوقت الذي يريد.
يهـــــود هــذه الأمـــة
هل هي ظاهرة حديثة؟
إنَّ ظاهرة علماء السلطان ليست حديثة، ولا وليدة هذا الزّمان، بل هي قديمة قِدَمَ التّاريخ، كما أنّها ليست حكرًا على هذه الأمة، بل موجودة في جميع الأمم، لأنّ علماء السلاطين -في كلّ زمانٍ ومكانٍ- هم ركن أساسٌ من الأركان التي يقوم عليها الطغيان، إذ كل طاغيةٍ ومستبدٍ يقوم حكمه على أركانٍ خمسةٍ.
- فالركن الأول: هو القائد الرَّمز الذي ليس له مثيل!.
- والثاني: الجيش القوي الضارب والقبضة الحديدية.
- والثالث: الذراع الاقتصادي الذي يعتمد عليه ويتحكم به هذا القائد.
- والرابع: الفريق الإعلامي الذي يلمّع هذا الحاكم ويزَيِّنُه.
- والخامس: المرجعية الدينية التي تعطي الشرعية لهذا الحاكم في حكمه وتصرفاته.
وأوضحُ مثال يمكن أن يذكر في هذا المقام: دولة فرعون التي تتمثل هذه الأركان الخمسة؛ ففرعون هو القائد الرمز الذي لا يخطئ، وجيشه هو القوة الضاربة، وقارون يمثل قوته الاقتصادية، والسَّحَرة -قبل إيمانهم- هم المرجعية الدينية، والحاشرون الذين قالوا للناس:.. ﴿هَلْ أَنْتُمْ مجْتَمِعُونَ ﴿٣٩﴾ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا همُ الْغَالِبِينَ﴾ [الشعراء: ٣٩-٤٠] هم ذراعه الإعلامية.
أيضا أما الكهنة والرهبان .. كذلك فقد تسلّطوا على العباد واستعبدوهم.. كما مَكَّنوا للحاكم المستبدّ.. وإن لم يذكرهم القرآن الكريم على سبيل الخصوص.. كذلك إلا أنّ هذا الدور للكهنة والرهبان.. أيضا كان شائعًا في الأمم السابقة.. كما قال تعالى.. فيهم: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دونِ اللَّهِ﴾ .. [التوبة: ٣١].