تأتي الذكرى العاشرة للانقلاب العسكري على المسار الديمقراطي – الذي أرسته ثورة يناير– مختلفة هذا العام عن الأعوام السابقة، حيث يشهد المشروع الانقلابي فشلًا يزداد كل يوم وتتضح أبعاده مع كل ساعة يحاول فيها البقاء،
بعد أن انكشف الغطاء الشعبي المصطنع بمعسول الكلام، وانهارت الخديعة، واستيقظ الجميع على وقع الحقائق المؤلمة، وباتوا وجهًا لوجه مع مخاطر تهدد حاضرهم ومستقبلهم، وتضرب الأمن القومي المصري في مقتل، بعد أن عاشت مصر أسوأ حالاتها، من إغلاق المجال العام، وتجريف السياسة، وتقليص دور المؤسسات لصالح الفرد المستبد، وطمس لمعالم الشخصية المصرية وتشويه لصورة الدين وانهيار اقتصادي شامل، أغلق منافذ الحياة على الأحياء. لقد أصبحنا اليوم أمام تغير واضح لدى الرأي العام المصري تجاه هذا المشروع الانقلابي، الذي حظي برعاية إقليمية ودولية، ثم ما لبث أن أصبح عبئًا على داعميه بعد استنفاده أسباب وجوده، وفشله في إحداث حالة نجاح واحدة تحقق أهداف من دفعوا به إلى سُدَّة الحكم، وهؤلاء سيصحبهم الخذلان وسيعضوا أصابع الندم عندما يملك الشعب مقاليد الحكم من جديد. إن معطيات الواقع لتؤكد أن الانقلاب أصبح اليوم عاريًا إلا من تلك الطغمة الإعلامية والسياسية الفاسدة التي ارتبط مصيرها بمصيره، ومستقبلها بمستقبله، وبقاؤها ببقائه، فبذلت وتبذل كل ما في وسعها لإغراق الساحة الإعلامية بمئات المقالات والكتابات الضحلة والتصريحات الفارغة، في محاولة يائسة لاستنبات الحياة من أرض لا زرع فيها ولا ماء، وأصبح الشارع المصري على وعي كامل بجرائمهم، فلم يعد لهم أمل في عودة كريمة إلى ضمير الشعب وإلى أحضان الوطن. لقد مرت سنوات بذل فيها ذلك الجبل الأشم – الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي – حياته رخيصة، ثابتًامحتسبًا، لم يفرط ولم يخن؛ حرصًا منه على ألا ينطفئ الأمل في قلوب الملايين من أبناء شعبه؛ إذا رأوه تنازل عن حقوقهم، أو فرَّط في مستقبلهم، أو قايض حياة رخيصة بكرامة شعبه وعزة أمته. وقد سارت على نهجه جماعة الإخوان المسلمين داخل السجون وخارجها، ومعها كل المخلصين لوطنهم والأوفياء لثورة يناير، فقدموا تضحيات غالية، وبذلوا حياتهم وأعمارهم رخيصة؛ من أجل تحرير الشعب من ربقة الاستبداد ومهاوي الفشل ومساقط الخزي، فثبتوا على الحق ولم تلن لهم قناة ولم تهن لهم عزيمة، ولم تركع لهم جبهة إلا لله، “فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ” آل عمران:146، ولم يقبلوا الدنية في دينهم أو وطنهم، ولم يفرطوا في حق الشهداء، أو حق شعبهم في حياة كريمة وحرية كاملة غير منقوصة في اختيار من يحكمه. إن جماعة الإخوان المسلمين وهي تحيي صمود الأبطال في سجون الانقلاب، تبذل كل ما في وسعها لاستنقاذهم من خلال حراك حقوقي وإعلامي متواصل، وسعي دؤوب لرفع حالة الوعي الشعبي، وتجدد دعوتها لكل المخلصين من أبناء هذا الوطن لتضافر الجهود؛ لاستنقاذ الوطن من براثن الاستبداد والتَّبعية. إننا اليوم وبعد عشر سنوات من الانقلاب – ورغم كل الجرائم التي ارتكبت – نرقب وعيًا شعبيًا متزايدًا، يدفع بالأمل بقرب زوال هذا الانقلاب الغاشم؛ إيذانا بعودة الشعب – بحول الله تعالى – إلى مكانه الصحيح، قائدًا ومعلمًا، يمتلك إرادته وقراره، ويختار حكامه، ويرفل في الحرية التي ضحى من أجلها، “وَيقولون متىٰ هو قل عسىٰ أَن يكون قَرِيبًا” الإسراء:51 والله أكبر ولله الحمد أ.د: محمود حسين القائم بعمل المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الاثنين 15 من ذي القعدة 1444 هـ الموافق 3 يوليو 2023 م