وسائل صناعة القدوات الصالحة
قال بعض الحكماء: (إذا أردتَ أن تحصد بعد شهور، فازرع قمحا، وإذا أردت أن تحصد بعد سنوات فازرع شجرا،
وإذا أردت أن تحصد بعد جيل فازرع رجالا)
إن التربية الخاصة والعناية الخاصة التي تلقاها كبار الصحابة رضوان الله عليهم من النبي صلى الله عليه وسلم؛ هي السر الحقيقي في قوة الإسلام وسرعة انتشاره،
فلم تمر إلا سنون قليلة حتى تحول الأعراب إلى قادة،
ورعاة الغنم والإبل من أبناء القبائل البعيدة عن الحضارة والمدنية إلى معلمين وحكماء
وينشرون الحضارة والعلم والمدنية والأخلاق الفاضلة بين أبناء الأمم الأخرى.
فالأزمات التي تعانيها أمتنا اليوم كثيرة وكبيرة، ولعلنا نستطيع اختصارها بكلمة الضياع،
نعم إننا نعاني من الضياع في كل ميادين الحياة النظرية أو العملية الدينية أو الدنيوية منها،
والسبب في ذلك غياب الدليل الصادق والقدوة الحسنة والقائد المخلص والخبير،
ولعل صناعة القيادة والقدوة الحسنة في كل ميادين الحياة سيكون الطريق الذي يأخذ بيد الأمة إلى الرشاد والصحوة المنتظرة.
مفهوم ووسائل صناعة القدوات الصالحة
ولقد تعدَّى الأمر من صناعات خفيفة وثقيلة إلى صناعة السينما، وصناعة الخبر،
وأخيرا وليس آخرا صناعة الرمز أو النجم، وليس المقصود بصناعة النجوم أو الرموز أو القدوة الحسنة هنا، الصناعة المادية المحسوسة،
أي أن يكون هناك مصانع تقدم للمجتمع قوالب بشرية جاهزة ومسيرة في اتجاه وطريق معين،
بل المقصود إيجاد البيئة السليمة النظيفة لاحتواء هؤلاء الأشخاص، الذين تميّزوا ببعض الخصائص والصفات الحسنة، وتوجيههم التوجيه الصحيح، والتدرج معهم في مراقي الكمال والاستقامة
حرص الشريعة الإسلامية على تربية القدوات الصالحة
أولا: المنهج الربَّاني في تهيئة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام
{إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى* أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي* إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى* وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي* اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي* اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}
ملحوظتان هامتان في هذه الآية نقف عندهما
الأولي:مع قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} قال صاحب الظلال في بيان مناسبة هذه الآية: (إنَّ موسى عليه السلام ذاهبٌ لمواجهة أقوى مَلِكٍ في الأرض وأطغَى جبَّار،
إنَّه ذاهبٌ لخوض معركة الإيمان مع الطغيان، إنه ذاهبٌ إلى خِضمٍّ من الأحداث والمشكلات مع فرعون أول الأمر، ثم مع قومه بني إسرائيل،
وقد أذلَّهُم الاستعباد الطويل وأفسدَ فطرتهم وأضعفَ استعدادهم للمهمَّة التي هم منتدبون إليها بعد الخلاص،
فربُّهُ يُطْلِعُهُ على أنَّه لن يذهب غَفْلًا من التهيؤ والاستعداد، وأنَّه لم يرسل إلا بعد التهيئة والإعداد)
الثانية: مع قوله تعالى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} اصْطَنَعْتُكَ لِوَحْيِي وَرِسَالَتِي لِتَتَصَرَّفَ عَلَى إِرَادَتِي
وكذلك الحال في قصة داود: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ}
وهكذا كان حال النبي صلى الله عليه وسلم الذي خاطبه ربه بقوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى)