الدكتور يوسف القرضاوي .. وداعا إمام الأمة .. رجل لم يخش في الله لومة لائم .. أو نافق السلطان يوما .. ولم يهادن .. ولا يعرف معنى للخوف .. يجعله يفتي بغير ما أنزل الله اجتهادا .. (نحسبه كذلك ) .. القرضاوي مواقفه كلها جريئة .. ما أجاب برأي يحمل معنيين .. حتى يجاري الموج أو يعتليه .. أثار دائما الجدل بسبب مواقفه .. في كثير من البلدان .. لأنه لم يحاول يوما .. استمالة السلطة على حساب دينه.
الدكتور يوسف القرضاوي .. صاحب العلم والفتوى .. وصاحب القلم والكتاب والكلمة .. وترجل الفارس (مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا )
في هذا المقال سنتكلم عن هذا الفارس الذي ترجل وترك لنا دنيانا ، تاركا علما سينتفع به أعواما بعد أعوام ، وتاركا ذكرى ستدوم إلى قيام الساعة بإذن الله سيقابل ربه بما قدم .
نشأة القرضاوي وتعليمه :
ولد الدكتور يوسف القرضاوي في قرية صفط تراب مركز المحلة الكبرى، محافظة الغربية، وهي قرية عريقة دفن فيها آخر الصحابة موتاً بمصر، وهو عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ، وكان مولده في 9/9/1926م وأتم حفظ القرآن الكريم، وأتقن أحكام التجويد .
التحق بمعاهد الأزهر الشريف، فأتم فيها دراسته الابتدائية والثانوية وكان دائما في المقدمة ، كان ترتيبه في الشهادة الثانوية الثاني على المملكة المصرية، رغم ظروف اعتقاله في تلك الفترة.
ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، ومنها حصل على العالية سنة 52-1953م، وكان ترتيبه الأول بين زملائه وعددهم مائة وثمانون.
ثم حصل على العالمية مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية سنة 1954م وكان ترتيبه الأول بين زملائه من خريجي الكليات الثلاث بالأزهر، وعددهم خمسمائة.
وفي سنة 1958 حصل على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب.
وفي سنة 1960م حصل على الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين.
وفي سنة 1973م حصل على (الدكتوراة) بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من نفس الكلية، عن: “الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية”.
جهوده في الدعوى :
منها الكتابة والتأليف التي هي من أهم ما برز فيه الدكتور القرضاوي، فهو عالم مؤلف محقق كما وصفه العلامة أبو الحسن الندوي في كتابه “رسائل الأعلام” وكتبه لها ثقلها وتأثيرها في العالم الإسلامي، كما وصفها بحق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.
وقد تميزت هذه الكتب بعدة مزايا:
أولا: استندت إلى أصول التراث العلمي الإسلامي المعتمد على الكتاب والسنة، ومنهج السلف الصالح، ولكن لم تنس العصر الذي نعيش فيه فجمعت بين الأصالة والمعاصرة بحق.
ثانياً: جمعت بين التمحيص العلمي والتأمل الفكري، والتوجه الإصلاحي.
ثالثاً: تحررت من التقليد والعصبية المذهبية، كما تحررت من التبعية الفكرية للمذاهب المستوردة من الغرب أو الشرق .
رابعاً: تجلت فيها الوسطية الميسرة بغير تفريط ولا إفراط.
خامساً: يمثل أسلوبه في الكتابة ما يعرف بـ “السهل الممتنع” فهو أسلوب عالم و أديب متمكن.
سادساً: وقفت بقوة في وجه دعوات الهدم والغزو من الخارج، ودعوات التحريف والانحراف من الداخل، والتزمت الإسلام الصحيح وحده، تنفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
كما أن له بجوار كتبه العلمية كتباً ذات طابع أدبي، مثل مسرحية “عالم وطاغية” وله ديوان بعنوان “نفحات ولفحات” يضم عددا مما بقي من قصائده القديمة، بالإضافة إلى بعض القصائد الجديدة والأناشيد الموجهة.
وقد انتشرت أناشيده وقصائده في العالم الإسلامي وتغنى بها الشباب في المناسبات حتى قبل طبع الديوان.
هذا إلى جانب كتب أخرى اشترك في تأليفها لوزارة التربية في قطر، وللمعهد الديني خاصة، وقد زادت على العشرين كتاباً، أقرتها الوزارة في مدارسها، وهي تتناول التفسير والحديث والتوحيد والفقه والمجتمع الإسلامي، والبحوث الإسلامية، وفلسفة الأخلاق، وغيرها، هذا بخلاف البحوث والدراسات والمقالات التي نشرت في الحوليات والمجلات العلمية .
ومن الجهود البارزة للدكتور القرضاوي جهوده في مجال الفقه والفتوى ، فهو لا يلقى محاضرة، أو يشهد مؤتمراً أو ندوة إلا جاءه فيض من الأسئلة في شتى الموضوعات الإسلامية ليرد عليها، وردوده وأجوبته تحظى بقبول عام من جماهير المثقفين المسلمين، لما اتسمت به من النظرة العلمية، والنزعة الوسطية، والقدرة الإقناعية.
عمل د. القرضاوي في مجالات عدة، ومارس أنشطة كثيرة، بين العمل الأكاديمي والعمل الإداري والثقافي، واشتغل بالفقه والفتوى، والأدب والشعر، وغير ذلك، ولكنه في المقام الأول رجل دعوة، فالدعوة إلى الله لحمته وسداه، وهي شغله الشاغل، وهي محور تفكيره واهتمامه وعلمه وعمله.
فهو يتميز بالقدرة على إفهام العامة، وإقناع الخاصة معا.
وبالقدرة على مخاطبة العقل وإلهاب العاطفة معا.
وبالقدرة على المزج بين الدعوة النظرية والعمل الحركي والجهادي من أجل الإسلام.
والقدرة على وصل الدعوة بالفقه، والفقه بالدعوة، فلا تحس بانفصام بين الداعية والفقيه.
لا يكاد يعقد مؤتمر أو ملتقى أو ندوة أو حلقة حول الفكر الإسلامي أو الدعوة الإسلامية إلا يدعى إليها الدكتور القرضاوي، تقديرا من الجهات الداعية لمكانته بين العلماء والدعاة والمفكرين.
كما دعي الأستاذ الدكتور القرضاوي لزيارة عدد من الجامعات العربية والإسلامية لإلقاء محاضرات بها، إما على الطلاب وهو الأكثر، وإما على أعضاء هيئة التدريس، أو على الفريقين معا في محاضرات عامة.
اهتم الدكتور القرضاوي منذ مدة غير قليلة بالجانب الاقتصادي في الإسلام من الناحية النظرية ومن الناحية التطبيقية.
اشتغل الدكتور القرضاوي منذ فجر شبابه بالدعوة إلى الإسلام، عن طريق الخطب والمحاضرات والدروس والأحاديث، وساعده على ذلك اتصاله المبكر بالإخوان المسلمين، وتعرفه على الإمام الشهيد حسن البنا.
وقد لقي في سبيل دعوته كثيراً من الأذى والاضطهاد والاعتقال عدة مرات منذ كان طالبا في المرحلة الثانوية في عهد الملك فاروق .
رجل صدق الله فصدقه الله وذهب إليه بعد بذل الغالي والنفيس من أجل أن ينال رضا الله ،فاللهم أرضه وأرض عنه ،وتقبله في الصالحين ،وتجاوز عنه ،وجازه عنا وعن المسلمين خير الجزاء .