احمد هلال
واجبنا نحو القرآن الكريم
بقلم: الإمام الشهيد حسن البنا عليه رحمات الله ورضوانه
نحمد الله تبارك وتعالى، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
أيها الإخوة الأحباب أحييكم بتحية الإسلام تحية من عند الله مباركة طيبة، فسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كذلك في الحقيقة إن الإنسان ليعجب من موقف الناس أمام كتاب الله تعالى: القرآن الكريم، وكما قلت للإخوان من قبل، إن موقف الناس من كتاب الله في هذه الأيام،
مثلهم كمثل جماعة أحاط بهم الظلام من كل مكان، فهم يتخبطون فيه، ويصطدم بعضهم ببعض،
ولا يزالون هكذا يخبطون خبطا عشوائيا، ويسيرون في ظلام دامس،
مع أن بين أيديهم زرا كهربائيا لو وصلت إليه أصابعهم فإن حركة يسيرة يمكن أن توقد مصباحا مشرقا منيرا.
فهذا أيها الإخوان هو مثل الناس الآن، ومثل كتاب الله وموقفهم من كتاب الله.
العالم بأسره يتخبط في دياجيرِ الظلام. العالم كله يسير في مسالكه على غيرِ هدى،
كذلك أفلست النظم وتحطم المجتمع، وتدهورت القوميات، وكلما وضع الناس لأنفسهم نظاما، انقلب رأسا على عقب،
والناس لا يجدون الآن سبيلا إلا الدعاء والحزن والبكاء، ومن الغريب أن بين أيديهم القرآن الكريم كتاب الله تبارك وتعالى:
العيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورِها محمول
واجبنا نحو القرآن الكريم
كذلك لا يستطيعون سبيلا إلى الهداية، وبين أيديهم النور الكامل
﴿وَلَكِنْ جَعْلَنْاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(52)﴾ (الشورى)
﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(157)﴾ (الأعراف)
﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(16)﴾ (المائدة)
﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)﴾ (إبراهيم)
﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(8)﴾ (التغابن).
ثم نعود أيها الإخوان فتقول: لعله من المفهوم أن الكافرين الذين لم يفتح الله بصائرهم لهذا النور، ويسيرون في حياتهم على غير هدى، هذا معقول ومقبول،
لأن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾.
ولكن ما بال المؤمنين الذين آمنوا يخلو جيب من جيوبهم من نسخة من كتاب الله تعالى. القرآن الكريم.
شأنهم أيها الإخوان أن أهل الكفر قد خدعوهم عن نورهم وأبعدوهم عن هديهم وضللوهم عن طريقهم وأبعدوا أيديهم عن هذا المصدر الكريم. عن زر الكهرباء تارة بالسياسة وتارة بالعلم الدنيوي
﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ(7))﴾ (الروم)
كذلك طورا بالمال وأخرى بالشهوات وخامة بالخداع وتارة بالقوة والقهر والجبروت.
كل هذه الوسائل أيها الإخوة استخدمها أهل الكفر، وأبعدوا الناس، أبعدوا المسلمين عن هديهم، وسايرهم المسلمون حينا من الدهر، وجروا وراء ضلالهم.
فكانت النتيجة أن نسي المسلمون مصدر هذا الهدى، واتبعوا الكافرين مع أن الله تبارك وتعالى قد حذرهم من ذلك:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ(150)﴾ (آل عمران).
أيها الإخوان..
كذلك ولما كان قد سبق في علم الله تعالى أن أهل الكفر يهددون أهل الإيمان بما بين أيديهم من قوة وبأس، فأراد سبحانه أن يستأصل من قلوبِ المسلمين هذه الشبة
فقال: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)﴾ (آل عمران)
ثم يأتي الله سبحانه بحادثة تطبيقية لتكون مقرونةً بالدليل القاطع
﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)﴾ (آل عمران).
هكذا أيها الإخوان يحذر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالقرآن، من أن ينهجوا نهج أهل الكفر أو أن ينخدعوا بحيلهم وبخدعهم،
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تطيعوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)﴾ (آل عمران))
وكذلك ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران)
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تطِيعوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)﴾ (آل عمران).
واجبنا نحو القرآن الكريم
كذلك فأهل الكفر مطبوعون على الخداع وعلى الكيد لأهل الإيمان. ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ﴾ (البقرة: من الآية 109).
﴿وَدوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ (النساء: من الآية 89).
﴿إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)﴾ (الممتحنة).
وبكل الوضوح أيها الإخوة فإنه لن تبرأ هذه الصدور من هذه المودة. مودة أن يعود المؤمنون كفارًا،
﴿وَلا يَزَالونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدوكمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا﴾ (البقرة: من الآية 217).
فهذا تصوير صادق لعاطفة أهل الكفر نحو أهل الإيمان. ومع كل هذا فقد استولت عليهم سماحة أهل الإيمان، ونسوا هذا التحذير
﴿هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقوكُمْ قَالوا آمَنَّا وَإِذَا خلوا عَضوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قل مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)
إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسؤهم وَإِنْ تصبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تصْبروا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)﴾ (النساء).
ورغم هذا التحذير، ورغم أن كتاب الله قد كشف عن أنفسهم هذا الكشف،
كذلك فبعد كل هذا نهوى بأنفسنا إلى الهاوية، ونسير في أذناب أهل الكفر، ونعمل كما يعمل أهل الكفر، وهم يخدعوننا عن هذا بكل وسيلة وبكل أسلوب،
فإن كان هذا النور ليس له وجود عند الكافرين، فقد أفلحوا بالعمل في أن يبعدونا عن هذا النور.
فما الموقف الآن أيها الإخوان؟
كذلك الموقف الآن هو أن أهل الكفر لا يؤمنون بهذا النور، وأهل الإيمان لا يعلمون به، وهذا موقف مؤلم،
موقف كله عقوق للإنسانية، ومن هنا يجب على الذين اهتدوا بهدى القرآن أن يعملوا على أن ينقذوا أنفسهم وأن ينقذوا الناس.
فما واجبنا نحن الذين آمنا بالقرآن؟
واجبنا أيها الإخوان نحو القرآن الكريم أربعة:
أولا: أن نؤمن إيمانا جازما لازما قويا لا ضعف فيه ولا وهن معه بأنه لا ينقذنا إلا منهاج اجتماعي يستمد من كتاب الله تبارك وتعالى أسسه، منهاج مأخوذ من كِتاب الله وصادر عنه،
علاوة على ذلك أن كل نظام اجتماعي حيوي لا يعتمد على القرآن ولا يستمد نظمه من القرآن الكريم في كل ناحية من نواحي الحياة منهاج فاشل.
فمثلا هم يعالجون الحالة الاقتصادية بترقيعات لا تسمن ولا تغني من جوع، على حين أن القرآن الكريم:
– نظم الزكاة.
– حرم الربا.
– أوجب الكسب والعلم.
– منع الترف.
– أوجد التراحم بين الناس.
وبهذا يمكن أن نحل مشكلة الفقر، وبغير هذا لا يمكن أن يكون، وغير هذا لا يتعدى أن يكون مسكنات وقتية.
كذلك ومثلا في مشكلة الصحة، وتجدون أيها الإخوان أن مثلهم كمثل من يفتح حنفية قطرها ثلاثة ملليمترات وتحتها بالوعة قطرها ثلاثة أمتار فيعملون مستشفيات متنقلة، ووحدات صحية،
علاوة على ذلك ولكن أصل الداء لم يتم استئصاله، مستوى المعيشة منحط، بينما الإسلام يأمر برفع هذا المستوى،
المنكرات تحطم وتهدم كما يقول سيدنا رسول الله ﷺ: «ما ظهرت الفاحشة في قوم إلا كثرت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم».
وهناك أيها الإخوة مثلٌ آخر وهو حالة محاربة الجريمة:
كذلك هل تضع السارق في السجن ليتخصص على أساتذة الإجرام؟ وكلما طالت مدة إقامته في السجن زاد تخصصه في الإجرام؟
وإذا كان الأخذ بهذا النص القرآني ﴿أو ينفوا من الأرض﴾ (المائدة: من الآية 33)
كذلك فقد أفادت البلاد منه كثيرا، فما بالك يا أخي لو طبقنا النظام جميعه.
الإسلام وحدة واحدة أيها الإخوان، لا يقبل الشركة، فيجب أن نؤمن بأن الإسلام هو الصالح لإنقاذ هذه الأمة من كل ناحية من نواحي حياتها.
ثانيا وعلينا بعد ذلك – نحن المسلمين – نحو كتاب الله تبارك وتعالى أن نتخذ منه أنيسا وسميرا ومعلما،
نتلوه ونقرأه، وألا يمر بنا يوم من الأيام حتى تكون لنا صلة بالله تبارك وتعالى، فهكذا كان أسلافنا رضي الله عنهم،
ما كانوا يشبعون من القرآن الكريم، وما كانوا يهجرونه، بل كانوا يتفانون في ذلك حتى تدخل رسول الله ﷺ في هذا، ونهاهم عن الغلو فيه،
فلا أقل يا أخي من أن يكون لك ورد من القرآن، مهما كان هينا، ومهما كان يسيرا، والسنة ألا تزيد على شهر للختمة، ولا تقل عن ثلاثة أيام،
كذلك وقد كان سيدنا عمر بن عبد العزيز إذا شغلته مصلحة من مصالح المسلمين جاء بالمصحف وقرأ ولو آيتين أو ثلاثًا، ويقول: «حتى لا أكون ممن اتخذوا هذا القرآن مهجورا»،
ويقول رسول الله ﷺ: «من قرأ آية من كتاب الله فله بكل حرف عشر حسنات، ومن يستمع لها كانت له نورًا يوم القيامة
واجبنا نحو القرآن الكريم
كذلك فأما من حفظ القرآن ثم نسيه، فقد ارتكب إثمًا عظيمًا، فيجب أيها الإخوة أن تكثروا من تلاوة القرآن الكريم، وأن تجعلوا لأنفسكم وردًا من كتاب الله تبارك وتعالى،
علاوة على ذلك وأن تواظبوا عليه اقتداء بسلف الأمة، واقتداء بأمر الله تبارك وتعالى، وانتفاعًا بما في كتابه سبحانه.
ثالثاً: وعلينا بعد ذلك أن نلاحظ – حين نقرأ القرآن – آداب التلاوة، حين نسمع كتاب الله، آداب الاستماع،
كذلك أن نحاول ما استطعنا أن نتدبر وأن نتأثر، يقول رسول الله ﷺ: «إن هذا القرآن نزل بحزن، فإن قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا».
ومعنى هذا يا أخي أنه إذا لم يكن قلبك حاضرا بالدرجة التي تتأثر بها فحاول أن تتأثر، ولا يصرفنك الشيطان عن جمال التدبير فلا تتأثر وواظب،
حتى إذا لم يكن في القراءة إلا تحريك اللسان فاقرأ. وليكن لك وقت للحفظ، ووقت للذكر، وحاول أن تتأثر بالقرآن تأثيرا حقيقيا.
قد ذكروا أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذهب في ليلة يعس، فسمع قارئا يقرأ:بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)﴾
فحين سمع هذا قال: «قسم حق ورب الكعبة»، وَخر مغشيّا عليه،
فاحتمله صحابي إسمه أسلم، وذهب به إلى بيته، وبقى هناك مريضًا ثلاثين يومًا يعوده الناس.
واجبنا نحو القرآن الكريم
وكذلك يا أخي كان عمر بن عبد العزيز، جاء بعد العشاء فتوضأ، ووقف يصلي، وكان يقرأ
﴿احْشروا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)﴾
وما زال يكرر قوله تعالى ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)﴾ (الصافات) حتى جاء المؤذن يؤذن لصلاة الصبح.
هكذا أيها الإخوان كان تأثرهم بكتاب الله تبارك وتعالى،
كذلك كانوا على أيام الإمام الشافعي إذا أرادوا في مكة أن يتأثروا بكتاب الله، أرسلوا إليه فيقرأ،
ولا يراه الناس إلا باكيا في مثل هذا اليوم، ونحن أيضا علينا أن نقرأ القرآن قراءة مثمرة.
وإذا كان القرآن يصل إلى قلوب الكافرين – وهم أبعد خلق الله عن التأثر بكتاب الله – فما بالنا هذا مثلا عتبة بن ربيعة- وهو منهم- يقول حين سمعه من رسول الله ﷺ
إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو من كلام البشر
وما كان من النجاشي وقومه حين سمعوا لجعفر وهو يتلو، ففاضت أعينهم من الدمع،
فكيف يكون شأن المؤمن؟ إن شان المؤمن في تلاوة كتاب الله تبارك وتعالى يكون كما قال سبحانه
﴿اللَّهُ نزل أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تقشعر مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْن رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِين جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يضْلِل اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)﴾ (الزمر).
وبعد أن نؤمن يا أخي بأن كتاب الله هو المنقذ الوحيد،
كذلك فبعد هذا يجب علينا أن نصل إلى العمل بأحكامه، وأحكام القرآن الكريم كما تظهر لنا، وكما نعلمها تنقسم قسمين:
القسم الأول: الأحكام الفردية التي تخص كل إنسان بنفسه، كالصلاة والصيام والزكاة والحج والتوبة والاستغفار،
والأخلاق من صدق ووفاء ومن شهادة ومن أمانة. فهذه الأحكام يا أخي تتعلق بالمجتمع العام،
ويستطيع كل إنسان أن يؤديَها بنفسه، فحين نقرأ القرآن يجب أن نقف عند أحكامه وحدوده، فمن لم يكن يصلي،
ويقرأ قوله تعالى ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ فلا بد أن يصلي
وحين تقرأ ﴿وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ (الأعراف: من الآية 85) إلى كل ذي حق حقه،
ويجب ألا تحتاج إلى من يحملك على هذا، فالحلال بين والحرام بين.
والقسم الثاني:
هو الأحكام التي تتصل بالمجتمع التي تتعلق بالحاكم، وهذه واجبات الدولة، مثل الحدود والجهاد،
فالأمور التي هي من أعمال الدولة في الإسلام يجب على الدولة أن تنفذها
وإن لم تنفذها فهي مسئولة بين يدي الله تبارك وتعالى،
كذلك فواجب الشعب في هذه الحالة أن يطالب بتنفيذها، فإن الإسلام لا يعفي الأمة من المسئولية.
والآن. كيف تصل الأمة إلى هذا؟
على الأمة أولا أن تتحد،على الأمة أن تجمع كلمتها، وتطالب وتلحف في الطلب،
كذلك وأن تتخذ في هذا كل سبيل. خصوصا إذا كان نظام الدولة كالنظام في مصر.
فإذا كان ذلك كذلك، فلا عذر لأحد في عدم الجهر بهذا الأمر، والأمة غير معفية من مراقبة الدولة.
كذلك علينا أيها الإخوان أن نوحد صفنا، علينا أن نجمع كلمتنا، حتى نكون قوة يحسب حسابها،
علاوة على ذلك وتكون لها كلمتها، وتجد الدولة نفسها أمام الأمر الواقع، وبذلك نصل من قريب أو من بعيد إن شاء الله تبارك وتعالى.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.