النصر والهزيمة في ضوء الشريعة
في الذكرى الـ50 لحرب أكتوبر.. مفهوم النصر والهزيمة في ضوء الشريعة الإسلامية
كما تؤكد آيات القرآن وأحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنَّ سبب الهزائم ينشأ من داخل الأمة بـ(الوهن الحضاري)، الذي لا ينتج إلا الاستسلام للأعداء، والكفّ عن منازلتهم.. كذلك تشهد لهذه القاعدة آيات الآفاق والأنفس.
ونظرةٌ واحدة في تاريخ المسلمين تؤكد أن ما لحق بالأمة – ولا يزال يلحق بها – إنما هو في الحقيقة عقوبات مستحقة.. وأن كلَّ أمة تستسلم للنوم؛
فإن الله يبعث عليها سوطاً يوقظها، سواء كان هذا (السوط) عدوّاً من الخارج، أو اضطراباً في الداخل.
فالنفس لا تنتصر في المعركة الحربية إلا حين تنتصر في المعارك الشعورية والأخلاقية والنظامية…كما أنه لا قيمة ولا وزن في نظر الإسلام للانتصار العسكري أو السياسي أو الاقتصادي،
ما لم يقم هذا كله على أساس المنهج الرباني في الانتصار على النفس، والغَلَبَة على الهوى، والفوز على الشهوة، وتقرير الحق الذي أراده الله في حياة الناس؛
ليكون كل نصر نصراً لله ولمنهج الله، وليكون كل جهد في سبيل الله ومنهج الله؛ وإلا فهي جاهلية تنتصر على جاهلية.
فالجماعة المسلمة التي تريد أن تنتصر على عدوِّها لابد وأن تتزود بمادة الإعداد،
وهذه المادة لا تقتصر على آلة الحرب؛ بل يتحتم عليها التعبئة الكاملة، تلك التي أشارت إليها آيات غزوة (أحد) في سورة (آل عمران)؛
حيث لم تقتصر على معالجة الجماعة المسلمة في ميدان المعركة فقط؛ بل في ميدان النفس البشرية والحياة الواقعية،
“ومن ثمَّ عرَّج السياق القرآني على الربا فنهى عنه، وعرج على الإنفاق في السرَّاء والضرَّاء فحض عليه،
النصر والهزيمة في ضوء الشريعة
لذلك عرج على طاعة الله ورسوله فجعلها مناط الرحمة، وعرج على كظم الغيظ والعفو عن الناس،
أيضا وعلى الإحسان، والتطهر من الخطيئة بالاستغفار والتوبة وعدم الإصرار، فجعلها كلها مناط الرضوان،
كما عرج على مبدأ الشورى وتقريره في أحرج الأوقات، وعلى الأمانة التي تمنع الغلول، وعلى البذل والتحذير من البخل، في نهاية ما نزل في التعقيب على الغزوة من آيات،
كذلك عرج على هذا كله؛ لأنه مادة إعداد الجماعة المسلمة للمعركة في نطاقها الواسع
كما أننا لو تأملنا في هذه الغزوة: هل هي نصرٌ أم هزيمة؟ نجد اختلاف معايير النصر والهزيمة عند المؤرِّخين والعسكريين؛ فالمؤرِّخون يقومون النصر والهزيمة على ضوء ما لحق الجيشين من الخسائر؛
فمن كانت خسارته أكثر فهو المهزوم، أما العسكريون فيقوِّمون النصر والهزيمة في المعارك على ضوء الأهداف التي تحققت لكلٍّ من المتحاربَيْن؛
فالذي حقق أهدافه هو المنتصر، وإن كانت خسارته في القتلى والجرحى أكثر!
لقد أجمع المؤرِّخون على اعتبار أن نتيجة أحد نصرٌ للمشركين؛ لكن الحقائق العسكرية لا تتفق مع ما أجمع عليه المؤرِّخون؛
فإن فشل المشركين في القضاء على قوات المسلمين بعد إحاطتهم بقواتهم المتفوقة يعد اندحاراً لهم،
وإن نجاح المسلمين في الخروج من تطويق المشركين يعد نصراً لهم