لا شك أن التغيرات المتسارعة .. التي أصبحت متلازمة للحياة .. وتشوب المجتمعات الحديثة تؤثر على الإنسان .. وتغير مستوى حاجاته .. فبعض الحاجات التي كانت قديما .. تعد من الكماليات أصبحت الآن هي من الأساسيات .. مما يتسبب بالتبعية .. بظهور الحاجات النفسية .. بشكل يتواكب مع كل هذا.
فعدم القدرة على تلبية هذه الحاجات يؤدي الى إحداث خلل كبير في تكييف الشخص واستقراره، كما يؤدي الى ظهور المشاكل النفسية والاجتماعية، لذلك يجب على الانسان أن يسعى دائما للوصول الى التوازن النفسي اللازم الذي يمكنه من الاستمرار في حياته بمستوى الراحة النفسية والاستقرار الذاتي المطلوب، وهو ما يطلق عليه الصحة النفسية.
فماهي الصحة النفسية:
هي التي عرفتها منظمة الصحة العالمية على أنها اكتمال السلامة العقلية والاجتماعية والبدنية، كما أنها ليست مجرد انعدام وجود مرض مزمن أو عجز ما، بل هي حالة العافية السائدة التي يتمتع بها الفرد في أغلب ظروفه؛ بحيث يتمكن من توظيف مهاراته وإمكانياته في تحقيق الإنجازات، وقدرته على التكيف العام مع حياته في جميع ظروفها.
كيف احافظ على صحتي النفسية؟
هناك بعض الأمور التي تساعد الانسان في الحفاظ على صحته النفسية وتجعله يحافظ على حالة التوازن المطلوبة التي تؤهله للحياة بشكل سليم وتتلخص في عدة أمور كما هو آتي:
بناء العلاقات الاجتماعية:
العلاقات الاجتماعية تساعد الإنسان على الإحساس بشعور الانتماء، والانفتاح عليها يوفر فرصة تبادل الخبرات الإيجابية، وكذلك تقديم الدعم العاطفي للذات والآخرين، لذلك يجب ان يكون الانسان محبا لتكوين العلاقات الاجتماعية الجديدة ،والتعرف على الأشخاص الجدد باستمرار ،وتعزيز العلاقات والروابط العائلية والأسرية، وتخصيص أوقات منتظمة ومستمرة للتواصل وقضاء الأوقات برفقتهم، كما من المهم الابتعاد عن الأجهزة الإلكترونية والتكنولوجية، مثل: الهاتف، والتلفاز قدر الإمكان، وتمضية بعض اللحظات مع الأطفال، واللعب معهم، واستشعار السعادة برفقتهم، ومن الممكن استثمار برامج التواصل المرئية والسمعية في الهواتف؛ لتدعيم العلاقات الاجتماعية والحفاظ عليها من الاندثار.
النشاط الحركي والبدني:
للقوة البدنية تأثيرا مباشرا على مستوى الصحة النفسية للإنسان، فالصحة النفسية قد تعني الرضا عن الذات والعالم الخارجي، كما أثبت أن سلامة الصحة الجسمية واللياقة البدنية هي أحد عناصر الصحة النفسية السليمة، حيث إن النشاط البدني المستمر يساعد الفرد على مجابهة المراحل الأولية الخفيفة من الاكتئاب، والوقاية من القلق والتوتر، بالإضافة إلى التأثيرات الإيجابية على مزاج الأفراد ورفع مستوى احترام الذات، وتكوين الصورة السليمة عنها، ويكون ذلك بالقيام بالأنشطة البدنية بشكل مستمر قدر الإمكان؛ وذلك بالبحث عن الرياضات المناسبة والمرغوبة، ثم جعلها جزءا من روتين الحياة اليومية وأنشطتها.
البذل والعطاء:
من أهم الأمور للصحة النفسية أن يقوم الشخص بالعطاء والبذل تجاه الآخرين، وتقديم الدعم بأشكاله لهم، وقد يكون العطاء عن طريق القيام بالأنشطة التطوعية المختلفة في المؤسسات المجتمعية بمختلف مجالاتها، مما يضفي على الشخص الشعور بالرضا عن الذات، وبالتالي تدعيم الصحة النفسية له، حيث ربطت بعض الدراسات والبحوث النفسية بين القيام بتصرفات وأفعال الدعم العاطفي والعطاء بأشكاله تجاه الآخرين ومستوى الصحة النفسية والعقلية.
ومن أمثلة هذه الأفعال: تقديم المساعدة لمن يحتاج إليها من الأفراد المقربين أو الغرباء، وتقديم الشكر والامتنان عند قيام الآخرين تجاه هذا الشخص بالدعم
والمساعدة.
التحفيز الذاتي:
تحفيز الشخص لذاته دائما ما يكون أثناء قيامه بمهمة معينة، أو أثناء محاولته الوصول إلى هدف يسعى إليه، والتغلب على التحديات والعقبات التي من الممكن أن تواجهه، ومن أبرز أساليب التحفيز الذاتي التي يجب على الفرد القيام بها للحفاظ على استقراره النفسي: كسر الروتين، والتنويع بإدخال عناصر تجديدية لرفع الدافع الداخلي للقيام بالمهام المختلفة والوصول إلى الأهداف على جميع الأصعدة، بالإضافة إلى وضع الأهداف المباشرة التي ترتبط ببعضها، ومكافأة الذات بعد نجاحها في أداء عمل معين.
محاولات اكتساب معارف جديدة:
من المفيد للصحة النفسية للإنسان أن يكون مهتما بتعلم الخبرات والمهارات الجديدة التي من غير الضروري أن تكون لها علاقة برفع مستوى المؤهلات العلمية والعملية، وبشكل عام فإن التعلم هو عملية لا نهائية ولا محدودة، تبدأ من ولادة الإنسان وحتى وفاته، وترافقه في جميع مراحل حياته. وعملية التعلم هي عملية تضفي على الشخص الشعور بالرضا عن الذات والثقة بها وتنمية مهارات تحديد الأهداف، كما أشارت بعض الأبحاث إلى أن اكتساب المعارف الجديدة يرتبط بأحاسيس التفاؤل والارتياح وخلق المشاعر الإيجابية.
مثل: الالتحاق بالدروس والدورات المتخصصة في شتى المجالات، ومن أمثلة المهارات الجديدة التي من الممكن تعلمها بشكل مستمر: تحمل المسؤوليات الجديدة، وإعادة تجديد الهوايات القديمة وتحفيزها، أو تعلم لغة جديدة، وغيرها من الأمور التي تضفي روح وإحساس زيادة الخبرات والتطور.
التغيير:
عملية التغيير هي عملية مستمرة طالما أن الإنسان مازال حي، فالحياة يمر الإنسان فيها بالعديد من المواقف والحوادث التي تتطلب حدوث تغيير معين في أحد أنماط الحياة المختلفة، ولا يحدث هذا التغيير بشكل سليم إلا إذا أتاح الشخص لنفسه خوض الخبرات الجديدة في كافة المجالات، مما يساعده على إثراء مهاراته الحياتية بشكل عام، ولا يقتصر التغيير على جانب معين، فقد يكون بتغيير العلاقات الاجتماعية، أو بتغيير السلوكيات، أو الأنشطة والهوايات التي يمارسها الشخص ، كل ذلك يساعد على التحلي بنمط الحياة المرن والمنفتح تجاه الأوضاع والمشكلات التي قد يتعرض لها من وقت لأخر.
كل هذه النصائح التي تكلمنا عنها هي التي تساعد على تحسين الحالة النفسية ،وتساعد على وجود حالة التوازن التي يجب أن يسعى لها الانسان دائما ؛للوصول الى الصحة النفسية التي تساعد بدورها على خوض الحياة بشكل أفضل ، يمكننا من القيام بأدوارنا فيها على الوجه الذي يرضاه المولي عزوجل ، فنستطيع البناء والإعمار، والقيام بالطاعات والعبادات، وتربية أولادنا بشكل سليم ، ومساعدة الآخرين ،فهذه الغايات التي خلقنا من أجلها .