..قــتل وتعــذيب وإخفـاء قســري
أنت في غرفة مغلقة،.. مضاءة طيلة الـ24 ساعة، لا تستطيع التحكم في إضاءتها ..أو إطفاء المروحة لترتاح ..من صوتها المزعج… يتسرب إليك اليأس مصحوبًا بالصداع.. وتدرك أنه لا مهرب،.. تفشل محاولات النوم،.. وكذلك محاولات التكيف مع الوضع… تعلم أن هناك من يشاهد عذابك.. من خلال كاميرات على مدار الساعة،.. يراك تتقلب،.. يتابع محاولاتك لحجب الإضاءة عن عينيك..،كذلك ويعلم جيدًا كم مرة استعملت دورة المياه.
كذلك هذه ليست غرفة عادية..، ولكنها زنزانة موصدة في إحدى السجون الجديدة ..التي افتتحتها الحكومة المصرية ..خلال السنوات القليلة الماضية… أطلقت عليها السلطات ..”مراكز الإصلاح والتأهيل“،.. كما وأطلقت على السجناء بها ”نزلاء“،.. ورّوجت لها كتغيّر إيجابي على صعيد الفلسفة العقابية في مصر.. وتحسين أوضاع السجناء.. في أماكن الاحتجاز ومراعاة المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
قــتل وتعــذيب وإخفـاء قســري
كذلك إلا أن شكاوى السجناء لم تخفت،.. ولم تشفع التكنولوجيا الحديثة في تلك السجون ..في تحسين ظروف قاطنيها،.. بل أدت إلى المزيد من الانتهاكات المنهجية بحقهم،.. وهو ما يثير التساؤلات: لماذا هذه المراكز،.. هل لغرض دعائي أم سياسي، أو استثماري؟ كيف يتم فيها إحكام السيطرة على السجناء..، وكسر إرادتهم والتنكيل بهم؟
كما نحاول في هذا التقرير الإجابة على تلك الأسئلة عن طريق مقابلات شخصية مع أهالي سجناء حاليين داخل مراكز الإصلاح والتأهيل الجديدة، وسجناء سابقين أيضا، بجانب مقابلات مع محامين ومدافعين عن حقوق الإنسان. كذلك معظم المقابلات كانت حول مجمع سجون بدر، الذي افتتحته الدولة في ديسمبر ٢٠٢١، وهو ضمن عدة مجمعات أخرى جديدة افتُتحت في وادي النطرون والعاشر من رمضان وأخميم ومدينة ١٥ مايو.
كذلك في معرض التعليل لبناء تلك السجون الجديدة، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي في 2023 أن الدولة تريد أن ”تصلح“ الإنسان بدلًا من أن ”تعاقبه،“ ولذلك تم تغيير المسميات من أجل تعديل ”الصورة الذهنية للسجن في المجتمع“ وكذلك تغيير طريقة التعامل مع الأفراد داخل السجون ليكونوا مؤهلين وصالحين للمجتمع.
كما تسوّق الدولة مراكز الإصلاح والتأهيل الجديدة كنموذج متميز للمؤسسات العقابية والإصلاحية على المستويين الإقليمي والدولي؛ لكونها ترتكز على ”محاور الفلسفة العقابية الحديثة،“ وهو ما يعد ”ترجمة واقعية للإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان،“ التي تم إطلاقها في 2021.
قــتل وتعــذيب وإخفـاء قســري
كذلك واستكمالًا للحملة الدعائية الموسعة لتبييض وجه وزارة الداخلية، تم إصدار القانون رقم 14 لسنة 2022 لُيدخل تعديلات على قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956، والتي جاءت في مجملها شكلية، مثل تغيير المسميات التي ذكرناها أعلاه. تختلف تلك السجون الجديدة عن سابِقاتها في أنها لا تضم أماكن احتجاز السجناء فحسب، بل تشمل ايضًا مجمعات محاكم، ومستشفيات مجهزة بأحدث الأجهزة والمعدات، وهو ما يعني تصميمها بشكل يجعل السجين منعزل تمامًا داخل مكان الاحتجاز.
كما وإلى جانب الدعاية الكثيفة للمراكز الجديدة، لا نستطيع تجاهل البعد الاقتصادي والاستثماري كأحد أسباب بناء السجون الجديدة، ففي بيانها، أفصحت وزارة الداخلية عن نيتها هدم حوالي 12 سجنًا عموميًا، وقالت أن السجون الجديدة لن تكلف ”الموازنة العامة للدولة أية أعباء لإنشاء وإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل، في ضوء أن القيمة الاستثمارية لمواقع السجون العمومية المقرر غلقها تفوق تكلفة إنشاء تلك المراكز“.
قــتل وتعــذيب وإخفـاء قســري.. سجــون مصر تسجل 343 انتهــاكاً خلال شهر أبريل الماضي