منذ زمن والوعي في مصر والوطن العربي عموما يتشكل وفقا لما تراه السياسات العالمية ، والتي بدورها أرادت تسطيح المجتمعات العربية ، وزعزعة الأصول والثوابت الدينية ، وقد استخدموا في ذلك جميع الوسائل والإمكانيات التي يمتلكونها ؛ فقد تحكموا في
الشعوب العربية بطريقة أكثر خبثا ، فلم يعودوا بحاجة لاحتلالها عسكريا ؛ ولكنهم احتلوا العقول عبر وسائل الإعلام ، وعبر طرق التعليم الحديثة ، وعبر التكنولوجيا التي أغرقت المجتمعات العربية ، ولكن تظل أكثر الوسائل فاعلية هي وسائل الإعلام، وخاصة الإعلام الفني عبر المسلسلات والأفلام ، وكذلك البرامج الحوارية التي تلعب دورا رئيسيا في تشكيل الأدمغة ، وللأسف بالفعل نجحوا في ذلك ؛ فأصبحنا نجد عقولا ترى الشيء ونقيضه في آن واحد ومع ذلك تنصاع وتستجيب لما يدبر لها عبر هذا التوجيه المعنوي .
وفي الآونة الأخيرة تم رؤية مسلسلات يتم عرضها لا لشيء إلا للعب في العقول وتسطيحها ؛ فتبث السم في العسل .
فبعد أن تكلمنا سابقا عن لماذا رمضان الذي يتم فيه العروض الجديدة دائما ؟ وغرضها في الهاء الناس عن العبادة في هذا الشهر تحديدا ، وأيضا استخدام الشهر الكريم في تشويه صورة الإسلام ؛ لتفتر همة العباد ، ويبتعدوا عن الله في أكثر فترات القرب منه .
نرى دائما الإبداع المتفاني في الوصول إلى ما يريدون ، فإذا كان التشويه الظاهر لا يؤدي غرضه مع البعض ؛ فلا مناص من وجود البدائل التي تستخدم المسلسلات التي تبث السم في العسل ليغيبوا الوعي الصحيح ويدمروا الثوابت .
دراما هذا العام
فعلى سبيل المثال يتم عرض مسلسل في رمضان الحالي، فيه يقوم الزوج بفرض الحجاب على زوجته بالعنف والضرب ، والإمعان في إذلالها بالحبس في المنزل ، وهذا يخلق صورة عند المشاهد تجعله يتعاطف مع هذه الزوجة ، التي لا تريد أن ترتدي الحجاب ، فإذا ثارت عليه فرح المشاهد ، وإذا طالب هذا الزوج أن يرتدي بناته الحجاب فتثور الزوجة وترفض فيضربها ؛ فيغضب المشاهد ، وتظل الصورة المرسومة في العقول هو رفض المشاهد للحجاب تدرجا لما ترسب في عقله مما رآه في هذه المشاهد .
متناسيا أن الحجاب فرض ، وانه من المفترض كونها مسلمة تستجيب للشرع ، وفي حالة الرفض تتدخل قوامة الرجل على زوجته ، وله أن يفرض عليها الحجاب بما يتوافق مع شرع الله عز وجل ، .وهذا هو التصور الصحيح الذي ينبغي أن يكون راسخا في وعي المشاهد ؛ إلا أن المسلسل وصل بعقل هذا المشاهد لعدم القدرة على تحديد المشكلة التي تكمن فقط في أسلوب هذا الزوج .
ولا يكتفي هذا المسلسل بهذا ؛ بل يحاول أن يتطرق لإثارة موضوع اخطر وأعمق ، فنجد أن الزوجة التي تتناولها قصة المسلسل تحاول الحصول على فتوى من الأزهر الشريف بولايتها على أولادها ، وعدم فقد حضانتهم إذا تزوجت مره أخرى بعد طلاقها ، بما يخالف قانون الأحوال الشخصية – والتي قد يكون متوافقا مع الشريعة وقد يكون بعيدا عنها – وبعيدا عن كون هذا الأمر يحتاج إلى فتوى بالفعل ؛ فنحن هنا لسنا بصدد الحديث عن هذا ؛ ولكن الشاهد في هذا الجانب هو ما تم عرضه في المسلسل ؛ حيث ذهبت الزوجة إلى الشيخ لتسأله هل يجب على الزوجة إذا تزوجت أن تفقد حضانة أولادها ؟ فيرد الشيخ بنعم هكذا أفتى العلماء ، وأنا انقلها لك فتقول الزوجة هل قال هذا الكلام الله بنفسه ؟ ( تعالى ربي عن هذا القول ) فيرد الشيخ بماذا تعني أيتها المرأة فتقول هل ذكر هذا في القرآن نصا لكي يتم الفتوى به ؟!
هذا ما جاء بالمسلسل ؛ ومنه نجد محاولة إرساء في عقول المشاهدين أننا يجب ألا نأخذ الفتوى إلا من نصوص القرآن ، معطلين بذلك مصادر التشريع الأخرى مثل السنة والقياس وإجماع العلماء ، في محاولة قوية لزعزعة الثوابت الدينية وتسطيح العقول في فهم ما جاء به ديننا .
وعلى هذا نجد أن الدراما تتطور يوما بعد يوم في احتلال العقول ، بدلا من الاحتلال العسكري الذي وجدوا أن تكلفته باهظة عليهم ، أما الآن فبكل سهولة يتم الوصول إلى العقل العربي عن طريق هذه الوسائل ، الأقل في التكلفة والأسهل والأخطر في الوصول مباشرة إلى العقل العربي ، لتدمره وتقضي على كل ما هو ثابت .
فهل ينتبه المواطن العربي لكل هذا الذي يحاك ضده ؟ وهل يراقب الآباء في المنازل ما يصل إلى أولادهم عبر هذه الوسائل البشعة ؟ التي لم تعد تشكك في الدين صراحة ؛ ولكنها الآن تمارس دورا اخطر وأعمق ، بل بمنتهى الخبث تتغلغل دون اخذ الحيطة ؛ لأنها ببساطة تأتي بامرأة تبحث عن الشرع فيما ستقدم عليه ، ولكن في نفس الوقت يتم توصيل الفكرة بأنه يجب الأخذ فقط بما جاء في القرآن تاركين سنة نبينا صل الله عليه وسلم وباقي المصادر الأخرى ، وكذلك كره الفروض بسبب طريقة الإلزام بها .
كل هذا وأكثر يتم دخوله إلى بيوتنا ، ونحن في غفلة لما يراه أولادنا، وما قد يترسب في أذهانهم على المدى الطويل؛ فنفاجأ بزعزعة إيمانيات أولادنا ، ونحن عنهم غافلون .