فقه الجهاد المعاصر (6)
فقه الجهاد المعاصر (6) وسطية الإسلام في فريضة الجهاد
ما من جرم أشد عند الله من جرم تشويه معالم الديّن وما من جناية أعظم من الجناية على مفاهيم الشرع وغاياته الكبرى ومقاصده العظمى..
أيضا وقد جعل الله لكل تشريع مقصد مخصوص أو مقاصد متعددة فيها خير المسلمين وخير غيرهم من الملل والنِحل.. كذلك والدين قد جاء رحمة للعالمين كلهم كافرهم ومسلمهم مخالفهم لمنهج الله ومتبعهم لهديه.. ولا يخرج الجهاد باعتباره تشريع عن هذا الإطار من الرحمة والعدل وإقامة القسط.. أيضا وقد أرسل الله الرسل جميعاً ليقوم الناس بالقسط فيما بينهم .. “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ” (الجديد 25).
فقه الجهاد المعاصر (6)
كذلك لقد فهم كثير من المسلمين شريعة الجهاد على أنها لقتال الكافرين وإن كانوا مسالمين .. وذلك لم يقل به نص الوحي لا في القرآن ولا في السنة.. أيضا ولا يمكن فهم فلسفة الجهاد إلا بفهم فطرة البشر فالبشر فطرهم الله على الخير والشر والاعتداء والتسامح والظلم والعدل.. كما أن الأصل في الإسلام الدعوة بالحسنى والحجة والبرهان أما القتال فهو اضطرار تمليه الظروف ولم يكن القتال لمسالم مهما كانت ملّته أو نحلته، وجميع النصوص القرآنية أو التي وردت في السنة المطهرة لابد من فهمها بهذا الإطار من مبادئ الدين وغاياته الكبرى التي لا تشرع الظلم والاعتداء على من خالف معتقد الإسلام إلا إذا استخدم هو أساليب الحرب فحينها أذن الله بالقتال ليس لكفر المخالفين بل لظلمهم
فتبديل العقائد وإن جاء نتيجة لضغط الحرب إلا أنه ليس من مبادئ الإسلام أن يسلم الناس بالحروب فهي اضطرار في الفقه وليست مبدأ؛ والناس في الإسلام يسلمون بقناعاتهم لا بالإكراه والجبر كما قال الله: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” (البقرة 256)، فالقتال في الإسلام أصله دفع الظلم لا تبديل العقيدة وإن صادف أن آمن الناس تحت ظلال السيف فما تلك قاعدة إسلامية بل هي عارض فقط
لقد كتب الله الجهاد والقتال لأنه عاصم للفتن وساد لباب الاعتداء وهو أخذ بيد الظالمين المعتدين أنى كان مذهبهم وأنى كانت وجهتهم مسلمين كانوا أو كفاراً؛ كما بيّن الله تعالى “وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كلهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (الأنفال 39)”