فقه الجهاد المعاصر (2)
تعتمد هذه المقالة على الموسوعة الرائعة للعلامة المرحوم يوسف القرضاوي التي تقع في مجلدين تحت عنوان “فقه الجهاد”، ففي إشارات مركزة على شكل نقاط نبرز منهج القرضاوي في شرح مفهوم الجهاد وأنواعه، وهو بحد ذاته يتضمن مقارنة مع مفاهيم أخرى لغيره من العلماء والمفكرين، وقد يتفق أو يختلف معهم الشيخ، وأحيانا يلتقي بهم في مرحلة من الطريق على خط الغاية الواحدة، وهي التصوير العلمي الدقيق للمفهوم بما يزيل ما تراكم عليه من غبار ويحقق المقاصد الحقة.
كذلك ينطلق رحمه الله من التعريف للجهاد، ويخرج المصطلح من التعاريف الرسمية والتقليدية الشائعة.. إذ أول ما يتبادر إلى الذهن عند إطلاق المصطلح هو الرمي والقتال.. فيقول في شرحه حديث حجّة الوداع: “(والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله) .. كذلك فهو في هذا الحديث يعطي تعريفات لهذه المفاهيم غير التعريفات الرسمية المعروفة.. منبها على معان يغفل الناس عنها، ولا يتلفتون إليها.. وأهم ما يتميز به الجهاد أن يجاهد الإنسان نفسه ولا يكتفي بمجاهدة العدو الخارجي”.
فقه الجهاد المعاصر (2)
أيضا وإذا كان الجهاد هو ضد الواقفين في طريق الله ومن يصد عن السبيل.. فإن الشيطان هو أول أولئك الواقفين والصادين عن السبيل.. بل إنه القائد والمخطط، والآخرين من الإنس والجان ليسوا سوى جنود منفذين، متشبهين به.. يعيد بذلك ما قاله ابن قيم الجوزية من أن المعركة بالأساس بين الشيطان والإنسان.. أيضا وأنها بدأت منذ أن خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه وأسكنه جنته وأمر ملائكته أن تسجد له تكريما.. وبهذا نرى أن الجهاد في الإسلام يشمل -في ما يشمل- هذا اللون من الجهاد الخفي لهذا العدو المبين الذي أعلن عداوته للإنسان منذ خلق آدم .. أيضا وأعدّ نفسه وجنده لمحاربة ذريته بكل سلاح، وبهذا يؤكد القرضاوي على تعريفه للجهاد، فلا ينبغي حصره في القتال وحده