غرور الإحتلال يقوده إلى الهاوية
يمكن تلخيص العقدة المركزية للكيان الصهيوني في حربه اليوم بجملة: الحاجة النفسية الماسة للنصر، والعجز بالمقابل عن تصوره وتحقيقه..
لقد جاء هجوم السابع من أكتوبر ليشكل إذلالاً تاريخياً للعنجهية الصهيونية، وجرحاً غائراً للذات الصهيونية المتضخمة، التي أسكرها الدعم الغربي بوهم أنها لا تقهر، وأنها تمحو أعداءها بمجرد أن يفكروا في إيذائها، وأنها قاهرة ومبادرة ومتمكنة وباطشة وحازمة، وأن غريمها لا يملك سوى أن يخضع لها.
حجبت غيوم هذا الغرور عن العقل الصهيوني الحقيقة الثابتة التي لم تتبدل: أنه لم ينتصر في الحرب بالإجمال وإن كان ينتصر في معارك، وأن كل الهزائم التي لحقت بالجيوش العربية وكل المجازر والدم في محطات المواجهة والتحدي التي خاضتها الشعوب وحركات المقاومة قبل عام 1948م وبعدها عجزت عن تحقيق الهدف الإجمالي للحرب؛ وهو إخضاع الإرادة الفلسطينية والعربية والإسلامية للإرادة الصهيونية ومن خلفها الإرادة الاستعمارية الغربية، وأن إرادة الحق بقيت صامدة كامنة في الصدور تنتقل من جيلٍ إلى جيل وتنتظر الفرصة لقلب موازين القوى، وها هي قد جاءت.
غرور الإحتلال يقوده إلى الهاوية
النرجسية الصهيونية
لم تحتمل الذات الصهيونية النرجسية أن تأتيها الضربة الحاسمة من غزة، من ذلك المجتمع المحاصر الذي تحصي له سعراته الحرارية وساعات الكهرباء ومقادير الأدوية، هؤلاء المحاصرون يفترض في النظرية الاستعمارية أن يكونوا آخر من يستطيع إلحاق هذا العار بالجيش الذي لا يُقهر، صاحب التكنولوجيا والاستخبارات والطيران والدروع الأكثر حصانة، ولذلك تحديداً كانت الحاجة الصهيونية إلى الثأر مضاعفة، وكانت الصدمة النفسية غائرة إلى حد أفقد هذه الآلة الاستعمارية رُشدها واتزانها الذهني.
الفعل العسكري الصهيوني انطلق بدافع الثأر واستعادة العنجهية وترميم وهْم الجيش الذي لا يُقهر
انطلق الفعل العسكري الصهيوني بدافع الثأر واستعادة العنجهية وترميم وهْم الجيش الذي لا يقهر.. لكن معضلته الحقيقية كانت أنه لم يتمكن من رسم خطة واضحة للوصول إلى تلك النهاية.. أيضا فهل القصف من الجو يحسم الحرب؟ وهل استهداف المستشفيات يعجز المقاومة عن الاستمرار أو حتى ينجح في التهجير إلى خارج قطاع غزة؟.. كذلك وهل تصوير المعتقلين المدنيين عراة ينهي قدرة المقاومة على أن تصْلي «تل أبيب» بحمم النار؟.. في كل مراحل المعركة كان الفعل العسكري الصهيوني مدفوعاً بصور محددة يرغب نفسياً في الوصول إليها.. أيضا صورة الموت، صورة التمكن من أرواح الناس في أكثر الأشكال تجلياً في المستشفيات، وصورة التشفي بالأسرى والمعتقلين.. لكن أياً من هذه الصور لم تكن كفيلة بإنهاء قدرة المقاومة على الحرب، ولا وقف نزيف الجنود والمدرعات.