- انقلاب البرهان لم يأت فجأة ولكن سبقته خطوات أكدت قدومه لامحالة
- البرهان لم يكن ليجرؤ على الانقلاب دون غطاء ودعم دولي وإقليمي
- الدور الصهيوني حاضر في الانقلاب لإبقاء السودان ضمن حظيرة التطبيع
- التصريحات الأمريكية مغايرة للواقع والموقف الأوروبي لم يختلف في نفاقه
- المحاولة الانقلابية فى سبتمبر 2021 كانت القشة التي قصمت ظهر البعير
- لم يدر بخلد المكون المدني أن الوثيقة الدستورية كانت أحد ألاعيب العسكر
- المكون العسكري نجح في فرض سيطرته بعد ضم الجماعات المسلحة إليه
لم يكن انقلاب عبدالفتاح البرهان على المكون المدني قبل أيام مفاجئاً لأحد، فقد كانت هناك إرهاصات كثيرة توحي بأن شهر العسل بين المكون المدني و المكون العسكري انتهى إلى غير رجعة.
فجاء انقلاب البرهان على المكون المدني، الذي تعاون مع المكون العسكري للانقلاب على ثورة الشعب السوداني، بالرغم من أنه تم الاتفاق بين المكونين لتكوين مجلس سيادة لفترة انتقالية لمدة ثلاث سنوات، يتم بعدها انتخابات برلمانية، لكن المكون العسكري أصرعلى رئاسة المجلس السيادي أولاً، لأنه كان يبيت النية ألا يترك السلطة للمكون المدني.
وبعد نزاع بين المكونين تم الاتفاق على عمل وثيقة دستورية في أغسطس2019 ، التي قضت بأن يتولى المكون المدني رئاسة المجلس السيادي، ولكن بعد سنتين من تولي المكون العسكري، ولم يدر فى خلد المكون المدني الطامح للسلطة، بأن الوثيقة الدستورية لم تكن إلا أحد ألاعيب العسكر، الذي استغل توقيع اتفاق جوبا للسلام مع الحركات المسلحة فى أكتوبر 2020 ليمدد الفترة الانتقالية إلى أربع سنوات، وكان ذلك بمثابة أول مسامير العسكر فى نعش الوثيقة الدستورية، حيث تشبث العسكر بأن تسليم قيادة مجلس السيادة للمكون المدني سيكون فى يونية 2022 بدلاً من نوفمبر 2021.
وبذلك نجح المكون العسكري في فرض سيطرته وهيمنته على الأوضاع خصوصا بعد انضمام الجماعات المسلحة إليه، بمقتضى اتفاق سلام جوبا، مما أعطى له التفوق على المكون المدني الذي دبت بداخله الخلافات والصراعات على المناصب والكراسي، مما مكن العسكر فى النهاية من إقصائه والانقلاب عليه.
كما أن هناك ورقة أخرى، استفاد منها المكون العسكري وهى ورقة شرق السودان، التي برزت بسبب ضغط لجنة إزالة التمكين على عناصر نظام البشير، وسعى مؤتمر البجا- شرق السودان- لإضعاف المكون المدني، فطالب “محمد الأمين ترك”، رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا بشرق السودان، بإنهاء أعمال لجنة إزالة التمكين، وتكوين مجلس عسكري جديد يكون ممثلاً لأقاليم السودان الستة، وتغيير حكومة حمدوك، من خلال المطالبة بإلغاء مسار الشرق في اتفاقية جوبا للسلام الموقعة بين الحكومة والفصائل المسلحة فى أكتوبر ٢٠٢٠.
وعندما وقعت المحاولة الانقلابية الفاشلة الأخيرة فى سبتمبر الماضي، حاول كل طرف استثمار المحاولة لصالحه، فقد حمل المكون العسكري مسؤلية المحاولة الانقلابية الفاشلة للمكون المدني كنتيجة لفشل سياسات الحكومة فى مواجهة الأزمات المتفاقمة والإنشغال بتقاسم السلطة.
ورد المكون المدني على هذه الاتهامات بالمطالبة بفك الارتباط مع المكون العسكري وتسيلم السلطة، وكان ذلك بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فجاء رد المكون العسكري بأن «القوات المسلحة وصى أمين على أمن الشعب السودانى»، وقام بسحب حراسات القوات الأمنية المشتركة من لجنة إزالة التمكين، وسحب ٢٢ موقعاً اقتصادياً كانت تحت ولاياتها، وإيقاف الاجتماعات مع المكون المدني، واتهام بعض عناصره بـ«الولاءات المزدوجة».
وقال حميدتي يومها :«لدينا شارع»،رداً على استقواء الحرية والتغيير بالشارع السوداني.
وكان البرهان حذر فى سبتمبر الماضي من أن الجيش لن يسلم السلطة إلا لحكومة ينتخبها الشعب السوداني، في إشارة مبكرة إلى أنه لن يلتزم بالجدول الزمني المتفق عليه فى الوثيقة الدستورية.
السلطات السودانية تقـ ـطع خدمة الهاتف الجوال،والأمـ ـن يحاول تفريق آلاف المتـ ـظاهرين المتــجهين للقـ ـصر الرئاسـ ـي pic.twitter.com/gO3TjEe7Fn
— Watan TV-تلفزيون وطن (@watanegypt) January 2, 2022
نذر انقلاب البرهان
انقلاب البرهان لم يأت فجأة وبدون مقدمات ، ولكن سبقته خطوات عديدة دلت على أن الانقلاب قادم لامحالة وأنها فقط مسألة وقت ،ففى 16 من أكتوبر، أقامت قوى موالية للجيش اعتصاماً أمام القصر الجمهوري طالبت بحل الحكومة وشارك فى الاعتصام حركة «العدل والمساواة»، برئاسة وزير المالية، “جبريل إبراهيم”، وحركة «جيش تحرير السودان»، بقيادة “مني أركو مناوي”، حاكم إقليم دارفور وأحزاب صغيرة منشقة عن قوى الحرية والتغيير” قحت”، وكان يتم توفير وجبات الطعام للمعتصمين المؤيدين الحكم العسكري وتمتع الاعتصام بتنظيم وتأمين جيدين من قبل الجيش.
وقد وصفت بعض القوى الثورية هذا الاعتصام المدعوم من الجيش بأن هذا الاعتصام مجرد غطاء شعبي لانقلاب وشيك .
وفي 21 أكتوبر، تظاهر عشرات الآلاف من المواطنين في ذكرى ثورة 1964 التي أطاحت بحكم المجلس العسكري بزعامة الجنرال “إبراهيم عبود”.
وشارك وزير النقل، “ميرغني موسى” ، ووزير شؤون مجلس الوزراء، “خالد عمر” في تلك الاحتجاجات الداعمة للحكم المدني والتحوّل الديقراطي، واشتبك المتظاهرون مع قوات الشرطة السودانية في محيط البرلمان، وتم ضربهم بالقنابل المسيلة للدموع، ورفع المحتجون شعار «الردة مستحيلة»، في إشارة لرفضهم العودة إلى الحكم العسكري.
كما أعلن ائتلاف «الغرفة المشتركة لمليونيات الحكم المدني»، الذي يضم أكثر من 30 كياناً، مطالبته بتسليم السلطة للمدنيين ورحيل العسكريين عن الحكم، وتكوين برلمان ثوري، وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وتحويل لجنة التحقيق في «مجزرة القيادة العامة» ضد المتظاهرين إلى لجنة دولية، ومحاسبة وإقالة حاكم إقليم دارفور، واستكمال عملية السلام.
وفي 23 أكتوبر ، أعلنت قوى إعلان الحرية والتغيير تجديد دعمها لرئيس الحكومة عبدالله حمدوك، وحذرت من الانقلاب عليه في مؤتمر صحفي حاول بعض معتصمي القصر المؤيدين للجيش منع عقده بالقوة .
- المكون المدني ارتكب كثيراً من الأخطاء التي باعدت بينه وبين الجماهير
- البرهان حاول إضفاء طابع إصلاحي على خطواته محاولا إيجاد المبررات
الدور الأمريكي فى الانقلاب
ذكرت تقارير إعلامية أن عبد الفتاح البرهان، أبلغ الأميركيين مسبقاً بإمكانية قيام عناصر داخل الجيش السوداني باتخاذ إجراءات ضد الحكومة المدنية، وذلك قبل ساعات فقط من الانقلاب على المكوّن المدني .
وأورد موقع “أكسيوس” الإخباري الأميركي، نقلاً عن مصادر مطلعة على الاجتماع الذي جرى بين البرهان والمبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي “جيفري فيلتمان”، قولها إن البرهان تطرق إلى إمكانية قيام عناصر في الجيش السوداني باتخاذ قرارات بسبب الخلافات مع الحكومة المدنية.
وأعلن البرهان، بعد مرور أقل من 48 ساعة على الاجتماع، حالة الطوارئ في جميع أنحاء السودان، وحلّ مجلسي السيادة والوزراء في البلاد، وكذلك تعليق العمل في بعض مواد الوثيقة الدستورية، إثر انقلاب تمّ على أثره اعتقال رئيس الوزراء “عبد الله حمدوك” ووزراء في الحكومة وسياسيين آخرين .
وكالعادة بعد حدوث الانقلاب جاءت التصريحات الأمريكية متناقضة تماما لما يجرى على الأرض، أو ما يدور فى الغرف المغلقة ، فقد أعلنت واشنطن أنها “مستعدة للجوء إلى كل الإجراءات المناسبة لمحاسبة من يحاولون تعطيل إنفاذ إرادة الشعب السوداني”، مؤكدة أنها قامت بقطع المساعدات المالية.
كما دانت الولايات المتحدة “بشدة” الانقلاب في السودان والاعتقالات التي طالت قادة مدنيين، داعية إلى العودة الفورية للحكم المدني والإفراج عن رئيس الوزراء المعتقل.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في بيان، إنّ “الولايات المتحدة تدين بشدة ما أقدمت عليه القوات العسكرية السودانية”، مبدياً قلقه البالغ إزاء تقاريرعن استخدام قوات الأمن الذخيرة الحية ضد المتظاهرين.
و”نرفض بشدة حل الحكومة الانتقالية بقيادة المدنيين والمؤسسات المرتبطة بها، وندعو إلى إعادة (العمل بها) على الفور “.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “نيد برايس” أن الإدارة الأميركية تعتبر أن ما يحصل هو “استيلاء عسكري على السلطة”، مشيرا إلى أن “الانقلاب هو وصف قانوني تستخدمه وزارة الخارجية الأميركية، نحن لا نقوم حاليا باستخدام هذا المصطلح في هذه الحالة، لأننا ندرك أننا نعمل تحت كنف تصنيف الانقلاب الذي يعود لعام 1989”.
وندد برايس، بالخطوات التي اتخذتها القوات السودانية، معلنا تجميد واشنطن مساعدات بقيمة 700 مليون دولار التي كانت مخصصة لدعم الانتقال الديمقراطي في البلاد، مشيرا إلى أنه لم يتم تحويل أي جزء من هذا المبلغ بعد إلى السودان .
وأكد أنه “لن نتردد في محاسبة أولئك الذين ينخرطون في أعمال العنف والانحراف بالسودان عن مسار الديمقراطية”، مضيفا أن “ما حدث في السودان ليلة أمس هو استيلاء عسكري على السلطة “.
ولم يختلف موقف الاتحاد الأوروبي عن الموقف الأمريكى المنافق، فقد أعلن ممثله الأعلى للشؤون الخارجية والأمنية “جوزيب بوريل”: إن الاتحاد يتابع الأحداث الجارية في السودان بـ”قلق بالغ”، وأنه “يدعو جميع أصحاب المصلحة والشركاء الإقليميين لإعادة عملية الانتقال إلى مسارها الصحيح “.
الدور الصهيوني في الانقلاب
من الواضح أن الدور الصهيوني ليس بمنأى عن انقلاب البرهان ، لحرص الصهاينة على استمرار السودان ضمن حظيرة التطبيع ودين إبراهام.
فقد قال مسؤول إسرائيلي لصحيفة “هيوم” الإسرائيلية، أن إسرائيل يجب عليها دعم الجيش وقائده “البرهان” بدلاً عن “حمدوك”، وأن ما جرى في السودان كان متوقعاً ويشبه الفترة التي أعقبت سقوط “حسني مبارك” وان البرهان يميل إلى تعزيز العلاقات بالولايات المتحدة وإسرائيل أكثر من حمدوك وعلى أمريكا دعمه وأن التطورات التى قادها الجيش السودان تمنح أملاً أعلى في مزيد من الاستقرار في السودان .
وذكرت صحيفة “إسرائيل هيوم” الإسرائيلية إن “التطورات في السودان قد تمثّل سبباً في قلق إسرائيل وإدارة جو بايدن، على حدّ سواء، لأن واشنطن تعمل من أجل دفع الخرطوم إلى استكمال عملية التطبيع، وإرسال ممثّل سوداني رسمي دائم إلى إسرائيل، وفتح ممثلية ”.
وأشارت إلى أنه “مع استمرار الاحتجاجات، فإن ذلك سيصعّب دفع عملية التطبيع قُدُماً في السودان. ويجب الأخذ في الحسبان أن رئيس حكومة السودان، عبد الله حمدوك، لم يكن هو من دفع إلى تطبيع العلاقات بإسرائيل، بل كانت القيادة العسكرية برئاسة عبد الفتاح البرهان”.
وانتقد مصدر إسرائيلي موقف واشنطن مما يجري في السودان، وقال لصحيفة “إسرائيل هيوم” إنه “في الوضع الحالي يفضل دعم الجيش وقائده رئيس المجلس الانتقالي
عبد الفتاح البرهان، لارئيس الحكومة عبد الله حمدوك ”.
وأشار براك رفيد، مراسل موقع “واللا” الإسرائيلي إلى دور إسرائيل في انقلاب عسكر السودان ويؤكد أن جهات حكومية إسرائيلية عملت على التأثير على الواقع السياسي السوداني خلال الأسابيع الماضية ويتساءل حول ما تعرفه إسرائيل عما يجري في السودان الآن وكم كانت لخطواتها تأثير في الانقلاب .
- الاتحاد الإفريقي فشل حتى الآن فى منع أي انقلاب عسكري بالقارة السمراء
- يبقى التحدي الأكبر الذي يواجهه البرهان هو الرفض الشعبي لقراراته
مبررات انقلاب البرهان
عندما أعلن عبد الفتاح البرهان، حالة الطوارئ في البلاد وحل مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء وإقالة حكام الولايات وتعليق عمل لجنة مكافحة الفساد، برّر البرهان تحركه بأن البلاد تحتاج إلى حماية الجيش في ظل الخلافات بين السياسيين، متهماً الحكومة بأنها تحولت إلى صراع بين أطرافها مما يهدد أمن وسلامة البلاد، ووعد بإجراء انتخابات في يوليو 2023، وبأن حكومة مستقلة ستحكم البلاد حتى يحين موعد تلك الانتخابات وستوفر بيئة ملائمة للأحزاب، وتعهد بإنشاء برلمان «ثوري» من الشباب السوداني.
وقام الأمن السوداني على إثر ذلك بحملات اعتقال لزعماء الأحزاب والشخصيات سياسية، وانتشر الجيش فى الخرطوم وتم قطع شبكة الإنترنت في البلاد.
وتم احتجاز رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في مكان غير معلوم، وأن قوات عسكرية اقتحمت مقر الإذاعة والتلفزيون .
وقال البرهان :” إن البلاد واجهت خلال الفترة الماضية مخاطر كبيرة من خلال عمل بعض القوى السياسية بالحرية والتغيير، على الاستفراد بالمشهد والتحريض ضد القوات المسلحة، ورفض كل مبادرات لم الشمل.”
وأن القوات المسلحة جلست مع القوى السياسية أكثر من مرة من باب لم الشمل لكن لم يتم الأخذ بحديثها، مؤكدا أن هذه القوى كانت تبحث عن أي شرعية للاستمرار في اختطاف الثورة السودانية، وفق قوله.
وأن هناك محاولات من قوى سياسية للاستفراد بالمشهد السياسي في السودان على حساب قوى أخرى واستبعاد القوات المسلحة، بالإضافة إلى محاولات استهداف القوات المسلحة، و“شعرنا بأن هناك عداء واستهداف لهذه المؤسسة، وكانت هناك مبادرة للم الشمل، ووافقنا على مبادرة رئيس الوزراء لكن الحرية والتغيير رفضت الجلوس أو حتى الاستماع لهذا الأمر ”
وقال إن القوات المسلحة قدمت كل ما يمكن أن تتنازل عنه لتحقيق أحلام الشعب السوداني، مؤكدا أنه خلال الأسبوع الأخير كان هناك تحريض ضد القوات المسلحة .
وكان وزير الصناعة إبراهيم الشيخ قد وجه دعوة الأسبوع الماضي إلى القوات المسلحة لاستبدال البرهان في تصريحات وصفها مراقبون بالتحريض على الانقلاب .
تغليف الانقلاب بطابع إصلاحي
لا يريد الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الاعتراف أن ما قام به يسمى في الأدبيات السياسية “انقلاباً عسكريا”، ويبرّر تعديله لمجموعة من المواد الدستورية والإطاحة بالحكومة واعتقال وزراء بأنها “خطوة لتصحيح المسار الانتقالي” و”تجنب الحرب الأهلية”، لكن جلّ مهندسي الانقلابات في المنطقة كانوا يتذرعون بمثل هذه الحجج، ومنهم من كان يعتبرون تحركهم امتدادا للثورة.
والفارق الوحيد هذه المرة أن البرهان كان بحكم الأمر الواقع رئيساً للبلاد، بحكم ترؤسه لمجلس السيادة، وما قام به لحدّ الآن هو تكريس مكانته، وإزاحة أبرز خصومه، أي الطرف المدني.
وحاول البرهان إضفاء طابع إصلاحي، على الخطوات التي أتخذها، محاولا إيجاد المبررات، التي دفعته إلى اتخاذ تلك الإجراءات، إذ قال في مقدمة خطابه إن “التشاكس والتكالب على السلطة والتحريض على الفوضى دون النظر إلى المهددات الاقتصادية والأمنية” هو ما دفع للقيام بما يحفظ السودان وثورته، مؤكدا على أن “الانقسامات شكلت إنذار خطر يهدد البلاد”.
وأكد البرهان، في نفس الوقت على “مضي القوات المسلحة، في إكمال التحول الديمقراطي، حتى تسليم قيادة الدولة لحكومة مدنية منتخبة”. متعهدا بتشكيل حكومة كفاءات وطنية، تستمر مهامها حتى موعد إجراء الانتخابات عام 2023 .
موقف هزيل للاتحاد الإفريقي
أعلن الاتحاد الإفريقي في بيان أنه علّق مشاركة السودان في جميع الأنشطة حتى عودة السلطة التي يقودها المدنيون، فيما علّق البنك الدولي مساعدته.
وهو التصرف الوحيد الذي يمتلكه الاتحاد الإفريقي والذي فشل حتى الآن فى منع أي انقلاب عسكري بالقارة وآخرها انقلاب غنيا كوناكري.
وأعلن الاتحاد أيضاً إرسال “بعثة إلى السودان للتحاور مع كافة الأطراف بهدف إيجاد حلّ ودّي للمأزق السياسي الحالي ”.
ولكن غالبا ما تمارس الحكومات الغربية ضغوطا على الاتحاد الإفريقي لعودة الدولة التي وقع فيها الانقلاب، كما حدث فى مصرعقب الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي وبعد تعليق عضوية مصر بالاتحاد تم إعادتها بضغط أمريكي أوروبي.
أخطاء المكون المدني خلال الفترة الانتقالية
قال الدبلوماسي السوداني كرار التهامي: “ارتكب المكون المدني في الحكم كثيراً من الأخطاء التي باعدت بينه وبين الجماهير وبعض النخب الموالية له، فعلى صعيد إدارة الدولة كان مستوى الأداء ضعيفاً ومخيباً للآمال.
وأن “الفترة الانتقالية اتسمت بانعدام المرجعيات السياسية الواعية التي تساعد على اتخاذ القرار، واعتماد الأداء التنفيذي على الحلول الفردية والاجتهادات المنبتة التي أضعفت الحكم والإدارة في مجالات الاقتصاد ومعاش الناس وأمن المجتمع.
واعتمدت فقط على الدعاية السياسية لتلميع وجه الحكومة السياسي، وعلى أداء لجنة تفكيك التمكين التي افتقرت إلى السند القانوني اللازم في تحقيق العدالة الانتقالية، وعزلت قطاعات مهنية وأكاديمية ومجتمعية نوعية وكبيرة، كما اعتمدت على الإثارة الإعلامية وتعميق خطاب الكراهية، وتحولت إلى أداة قهر ظهرت فيها كثير من حالات الفساد والابتزاز الذي رشح في وسائل الإعلام، ووصل إلى الدوائر العدلية والمحاكم كما هزمت قضايا الفساد الكبرى أمثال شركة الفاخر وشركة زبيدة وجبل عامر وتهريب الذهب المشروعية الأخلاقية للحكم، مع غياب المؤسسات العدلية الكبرى كالمحكمة الدستورية والمؤسسات التشريعية والقضائية على مستوى الولايات والمركز فانعدمت الرقابة ”
وإذا أضفنا إلى ذلك ، تآكل الحاضنة الشعبية بسبب جنوح المكون المدني لعلمنة الدولة وتأكيد فصل الدين عن الدولة، والسعي لتغيير المناهج الدراسية، وحذف الآيات والأحاديث من المناهج الدراسية بزعم أنها تحض على الإرهاب.
فضلاً عن هدم ثوابت وقيم الدين فى بلد أغلبيته مسلمة. فبعد الانقلاب على البشير أقيمت أول مسابقة لجمال الكلاب بالخرطوم، وأعقب ذلك انطلاق أول دوري لكرة القدم النسائية في السودان، وغيرها من الممارسات ضد العادات والتقاليد الأسلامية.
تحديات كبيرة تواجه انقلاب البرهان
لايزال انقلاب البرهان على المكون المدني يواجه الكثيرمن التحديات، ومن هذه التحديات تعليق واشنطن وبرلين وعواصم أخرى للمساعدات المخصصة لدعم الانتقال الديمقراطي في البلد، لكن سيستطيع البرهان تعويض ذلك من خلال الدعم السعودي الإمارتي على غرار ماحدث فى مصر عقب الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي.
لكن يبقى التحدي الأكبر الذي يواجهه البرهان هو الرفض الشعبي لقراراته، وتوّحد الكثير من القوى السياسية وراء مطلب إنهاء الحكم العسكري، خصوصا مع حيوية الشارع السوداني ، ويزداد الأمر صعوبة ،فى ظل تطور الاحتجاجات إلى العصيان المدني الشامل، بالرغم من محاولة البرهان إقناع السودانيين بمخرج للأزمة عبر تشكيل حكومة كفاءات لا تشمل أيّ قوى سياسية.
كما أن البرهان سيواجه تيارات داخل الجيش، بدورها لا ترغب بانفراد البرهان وحميدتي بالسلطة، وقد تجدها كذلك فرصة للتحرك العسكري، كذلك كوادر المؤتمر الوطني الذي ظل بالسلطة لمدة 30عاما فلا يمكن أن تقف صامتة حيال سيطرة البرهان وحميدتي على مقاليد الحكم.
وقد يؤدي انفلات الأوضاع وتطور الاحتجاجات إلى حدوث أزمات أمنية داخلية حيث سيحصل انفلات بالأمن وعنف في الشارع السوداني”. وأزمات اقتصادية فى بلد يعاني أزمات اقتصادية خانقة.
أو”حدوث انفلات أمني على الحدود الشرقية مع إثيوبيا المتربصة بالسودان، والتي قد تفضي إلى اشتعال حرب مع إثيوبيا تتعلق بمناطق حدودية متنازع عليها، أو تسلل عناصر إرهابية لجماعات مسلحة لتدخل السودان وتثير البلبلة “.
وفضلاً عن التحديات الداخلية، فسوف يواجه البرهان تحديات خارجية بإقناع المجتمع الدولي أن ما حصل ليس بانقلابا، وإنما تصحيحا للثورة.
ولكن يبدو أن البرهان تلقى تطمينات من القوى الدولية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بغض الطرف عن كل ما يقوم به مقابل الاستمرار فى مسلسل التطبيع مع الصهاينة .
- انفلات الأوضاع قد يؤدي إلى حدوث انفلات أمني وأزمات اقتصادية
- الوعود الخليجية بدعم البرهان ستساعده على مواجهة التحديات الداخلية
تحالف البرهان وحميدتي
من الملاحظ أن هناك تنسيق كامل بين قطبي المكون العسكري،البرهان الذي يمثل الجيش، وحميدتى الذي يمثل الدعم السريع.
وقد تجاوز البرهان وحميدتي خلافات كثيرة بينهما وهما اليوم يد واحدة في الانقلاب، لكن تحركهما ليس بمعزل عن لعبة شطرنج إقليمية لدول تفضل الأنظمة العسكرية على نجاح أيّ تجربة ديمقراطية.
ويحرص البرهان وحميدتى على تجاوز خلافاتهما وإظهار أنهما على وفاق تام، وقد سبق لهما أن خرجا بتصريحات تؤكد تعاونهما وأنهما “قوة واحدة”، وصرح حميدتي حينها إن قواته تتبع للقائد العام، البرهان، وتأتمر بأمره”.
واللافت فى الأمر أن حميدتي التزم الصمت عقب انقلاب البرهان ولم يخرج بتصريحات جديدة بعد الإطاحة بالحكومة.
وعلى مايبدو أن كلا الرجلين لايمكنه الاستغناء عن الآخر فحميدتي “لن يستطيع أن يقود السودان بدون واجهة عسكرية تضمن له انقياد القوات المسلحة، كما أن البرهان يعلم أنه لن يستطيع ضمان ولاء القوات المسلحة كلها دون مليشيات الدعم السريع”.
لكن ورغم المحاولات لنفي وجود توتر خفي بين الرجلين، إلا أن هنالك تقارير صحفية أكدت وجود خلافات بينهما، فالبرهان استفاد من منصبه كرئيس لمجلس السيادة في خلق علاقات مع دول عديدة أبرزها دول الجوار فضلاً عن إسرائيل التي هي الممر لقلب البيت الأبيض إثر اتفاقية التطبيع معها، كما أن “حميدتي” حريص ويدفعه الطموح لحكم السودان مستفيدا من قيادته مليشيات الدعم السريع وثروته وقواته وشبكة علاقاته،خاصة مع الإمارات وقد يكون هو رجل المرحلة.
قوى إقليمية داعمة للانقلاب
لم يكن البرهان ليجرؤ على الإقدام على خطوة الانقلاب على المكون المدني دون غطاء ودعم دولي وإقليمي، فقد تولت أمريكا الدعم الدولي للبرهان، من خلال إعطاء الضوء الأخضر للانقلاب على المكون المدني قبلها ب48ساعة فقط.
وأيا كان الموقف الدولي من وصف ما جرى بأنه انقلاب عسكري أو تصحيح مسار الثورة، فإن الموقف الدولي سيتطور مع الموقف السياسي المصاحب لهذه الخطوة التي تتفق مع مراد المجتمع الدولي بإنجاز انتخابات حرة ونزيهة، والاستمرار بإنجاز بقية خطوات المرحلة الانتقالية المتفق عليها في الوثيقة الدستورية، وهي تشكيل حكومة كفاءات وطنية تكون مهمتها الذهاب إلى انتخابات في أقرب وقت ممكن” وارتداء البرهان للبزة المدنية .
ولكن على المستوى الإقليمي، فالعلاقة بين البرهان والتحالف السعودي- الإماراتي لم تعد خافية على أحد، فقد كان البرهان مشرفا على إرسال قوات سودانية لدعم التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، وبعد الإطاحة بالبشير، نجح الجيش بقيادة البرهان فى استمرار القوات السودانية في مهمتها فى اليمن كذلك نجح البرهان فى تقوية علاقاته مع النظام الانقلابي فى مصر عبر عدة آليات منها المناورات المشتركة وتوحيد جهود البلدين لمواجهة كارثة سد النهضة فضلا عن إغلاق ملف مشكلة حلايب وشلاتين وتدفق المساعدات الطبية من الجيش المصري.
وقد وضح ذلك من خلال البيانات التي صدرت من كل من مصر والإمارات والسعودية تحدثت عن “أهمية تحقيق الاستقرار والأمن والازدهار” و”ضبط النفس” و”تغليب المصلحة العليا للوطن” و”حماية وحدة الصف”، و”الحفاط على المكتسبات” دون اتخاذ أيّ موقف من انقلاب الطرف العسكري .
وواضح أن دعم القوى الإقليمية لانقلاب البرهان نابع من ضغوط تمارسها قوى عالمية لأجل تحقيق مكتسبات أمنية عبر دعم الأنظمة العسكرية، أو تحقيق مطامع اقتصادية، خصوصاً مع ما يتردد من صراع دولي على البحر الأحمر وبناء القواعد العسكرية في المنطقة.
وكان جليا حديث واشنطن خلال تعليقها على ما يجري من أحداث في السودان، عن وجود “اتصال وثيق” مع زعماء المنطقة، بما فيها منطقة الخليج، لضمان العودة إلى مسار ديمقراطي، وهناك تسريبات أفادت بوجود وعود خليجية للبرهان بتدفق الأموال والمساعدات حال انقلابه على المكون المدني، واستيلائه على السلطة .
الخاتمة:
من الواضح أن انقلاب البرهان على المكون المدني، وإجهاض عملية التحول الديمقراطي لم تكن وليدة اللحظة، ولكن كانت هناك دلائل قوية تشير إلى تبييت العسكر النية للانقلاب والانقضاض على السلطة، ولكنه كان يتحين الفرصة المناسبة.
وقد لاقت هذه الخطوة الداعم الكافي من القوى الدولية والإقليمية.
وبالرغم من التحديات التي يمكن أن تواجه البرهان بعد الانقلاب على الصعيدين الداخلي والخارجي، إلا أن الوعود الخليجية بدعم البرهان ستساعده على مواجهة التحديات الداخلية، وعلى الصعيد الخارجي فالمجتمع الدولي لايعنيه إلا إجراء انتخابات وتعيين حكومة مدنية واستكمال بقية بنود الوثيقة الدستورية .
ولكن ما حدث من انقلاب على المكون المدني لايمكن تفسيره بمعزل عن الأخطاء الجسيمة التى وقع فيها المكون المدني والتي انتهت بانقلاب البرهان
المصدر – إنسان للإعلام