عاكف عميد الأحرار وشيخ المجاهدين
بعد أشهر من ولادة إحدى أكبر الجماعات الإسلامية حول العالم، كان القدر يشكل ملامح رجل عاصر فتيًا مخاض التأسيس، فعايش المحن الكبرى، مبحرًا في سفينة تسعى لتخطي الأمواج العاتية إلى شاطئ التمكين.
وبعد عقود من جولات السياسة وثورات الشعوب لاح الحلم القديم “السلطة للإخوان والأستاذية في الطريق” لكن “السفينة” ارتطمت بأمواج تمرد وشيطنة صرعت ركابها بين منفي ومطارد وسجين وقتيل، وكان من بينهم ذلك الرجل الذي احتل مكانا فريدا في صفوف الجماعة وقيادتها.
إنه محمد مهدي عاكف، الذي ولد في 12 يوليو 1928، بإحدى قرى محافظة الدقهلية، وهو المرشد العام السابق للإخوان المسلمين، الذي عاصر مراحل الجماعة من النشأة حتى محنتها الكبرى في السنوات الأخيرة.
عاكف عميد الأحرار وشيخ المجاهدين
يعرف عاكف بـ “سجين كل العصور” وقد رحل متأثرًا بمرضه في محبسه بأحد سجون القاهرة في 22 سبتمبر 2017، وهو سابع مرشد عام للجماعة، كما أنه أول من حمل لقب “مرشد سابق” وهو على قيد الحياة، عندما اختار ترك المنصب الذي تولاه عام 2004 خلفا لمأمون الهضيبي، ليكتفي بفترة واحدة ويترك القيادة لخليفته محمد بديع المحبوس حاليا والذي تولى المنصب منذ بداية 2010.
كان ميلاده هو العام نفسه الذي أسست فيه جماعة الإخوان، وبسواعده المفتولة،
أيضا شب عاكف في زمن كانت تعاني فيه بلاده تداعيات جدل الانتماء وهل يكون قوميا أو دينيا،
فانغمس حين بلغ ربيعه 12 بين يدي الرعيل الأول، ومقبلاً على رسائل مؤسس الجماعة حسن البنا.
ومن المنصورة إلى القاهرة، انتقل عاكف حيث الحي الشعبي بمنطقة السكاكيني،
منكبًا على شهادة التوجيهية (الثانوية العامة) إلى أن التحق بالمعهد العالي للتربية الرياضية،
ذلك حتى تخرج منه عام 1950، ليعمل لاحقًا مدرسًا للرياضة البدنية
ذاع صيته حين ترأس معسكرات جامعة عين شمس بالقاهرة (إبراهيم سابقًا) بعد أن التحق بكلية الحقوق،
فكان من قادة التنظيم الخاص بالإخوان الأعوام التي سبقت ثورة يوليو/تموز 1952 التي أطاحت بالنظام الملكي وأسست الجمهورية.
ووفق أدبيات الإخوان، فإن “النظام الخاص” أسس كنظام عسكري سري عام 1940 لمحاربة الإنجليز في مصر والصهيونية في فلسطين.
تدرج عاكف في المناصب الداخلية في جماعة الإخوان، حيث ترأس عام 1954 قسم الطلبة الذي كان يشرف عليه البنا بنفسه، أيضا وهو ذات العام الذي صدر فيه حكم بحل الجماعة وإعلان القبض على قياداتها.
وكانت تهمته في ذلك الحين، تهريب اللواء عبد المنعم عبد الرؤوف، أحد قادة الجيش المصري ومن أعلام الإخوان،
والذي كان ملاحقا آنذاك عندما بدأ جمال عبد الناصر في التخلص من خصومه ومنافسيه حتى من داخل مجلس قيادة الثورة
ذكري الأستاذ مهدي عاكف
ورغم دخول عاكف السجن مرات عدة في العصر الملكي، فإن فترات حبسه تلك امتازت بالقصر،
في حين ظل سجينًا طوال عهد عبد الناصر لمدة 20 عامًا بداية من 1954 حتى عام 1974.
عام 1975 شد عاكف الرحال إلى الخارج، حين عمل في السعودية مستشارًا للندوة العالمية للشباب الإسلامي ومسؤولاً عن مخيماتها ومؤتمراتها الدولية،
ليستقر عام 1980 في مدينة ميونخ الألمانية مديرًا للمركز الإسلامي بها
ومنتصف تسعينيات القرن الماضي، أتت رياح النظام بما لا يشتهيه عاكف والإخوان، إذ مثل وقتها هو ونحو 80 آخرين من قيادات الجماعة أمام المحكمة العسكرية
ذلك في قضية اشتهرت إعلاميا باسم “التنظيم الدولي للإخوان ومحاولة قلب نظام الحكم” ليحكم عليه بالحبس 3 سنوات
عام 2004 خلف عاكف (مرشد الإخوان) الهضيبي، ليصبح المرشد السابع للجماعة،
مشيرًا في مذكراته إلى أنه فوجئ باختياره من قبل أعضاء مكتب الإرشاد،
وأنه أبلغهم بترك المنصب بمجرد وصوله سن الثمانين (كان عمره آنذاك 76 عامًا)
لكن ظروفًا قاسية دفعته لإكمال فترته (6 سنوات) ليعلن الرجل مطلع عام 2010 ترك المنصب في سابقة تاريخية،
حيث بقي أسلافه على رأس الجماعة حتى وفاتهم.
وكان عاكف على رأس المقبوض عليهم في حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت قادة الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى, ذلك عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المنتمي للجماعة، صيف 2013.