شيـــــوخ الســــلطان
لا نعرف على وجه التحديد متى ظهر تعبير “شيخ السلطان“؛ لكن هذه الإضافة إلى السلطان تحتمل دلالتين متعارضتين، أولاهما: الشيخ الذي يتبعه السلطان، وهي -على هذا المعنى- تنطوي على معنى الإخبار، وربما التعظيم أيضا، وثانيهما: الشيخ الذي يتبع السلطان، فيعمل له، ويطوّع معرفته الشرعية لخدمة أغراض السلطان، وهي -على هذا المعنى- إضافة تحقيرية.
ومن طرائف ما تذكره كتب التاريخ قصة الشيخ خضر بن أبي بكر بن موسى المهراني العدوي (676 للهجرة)، وكان شيخا مشهورا في زمانه، وعد شيخ الملك الظاهر بيبرس، ولذلك ترد الإحالة إليه أحيانا باسم “خضر شيخ السلطان”. يحدثنا الإمام الذهبي عنه بأنه “كان صاحب حال ونفس مؤثِّرة، وهِمّة إبليسية، وحال كاهنيّ”. ويكاد يتفق كتاب التراجم -ممن تعرضوا لقصته- على أنه كانت له موافقات؛ فقد كان يخبر بالشيء قبل وقوعه، فيقع على وفق ما قال،
ولأجل هذا تَنَفّذ واستطال على الناس؛ بل والأمراء. من ذلك أنه أخبر الملك الظاهر بوقوع السلطنة له قبل وقوعها، ولذلك كان الملك الظاهر “يعظمه وينزل إلى زيارته في كل أسبوع مرة ومرتين وثلاثا، ويطلعه على غوامض أسراره، ويستشيره، ويستصحبه في أسفاره، ويخبره بأمور قبل وقوعها”.
شيـــــوخ الســــلطان
وكان السلطان لا يخرج عما يشير به الشيخ خضر، وأطلق يده وصرّفه في مملكته، فهدم كنيسة اليهود بدمشق، وهدم كنيسة للنصارى بالقدس، وجعلها زاوية، وقتل قسيسها بيده، وهدم كنيسة للروم بالإسكندرية وحولها إلى مسجد سماه الخضر، فاتقى جانبه الخاص والعام. وما برح خضر على منزلته تلك إلى 18 شوال سنة 671 للهجرة حين قبض عليه، واعتقل بقلعة الجبل، ومنع الناس من الاجتماع به.
وكانوا قد حاققوه على أمور كثيرة منكرة أبهمها الذهبي .. مكتفيا بالقول إنها “لا تصدر من مسلم”.. أيضا وفي موضع آخر قال “وجرى ما لا ينبغي”.. ولكن المقريزي والنويري ذكرا أن مما اتهم به اللواط والزنا.. ولعلها كانت مكيدة من بعض الأمراء.. الذين أغروا بعض أتباعه بالشهادة عليه.. كما يفهم من حكايته عند النويري.. كذلك وقد نقل الذهبي عن شيخه ابن تيمية قوله “كان خضر مسلما صحيح العقيدة؛.. أيضا لكنه قليل الدين باطوليّ.. له حال شيطاني”… أما المقريزي فقال “كانت أحواله عجيبة لا تتكيف.. كذلك وأقوال الناس فيه مختلفة.. منهم من يثبت صلاحه ويعتقده.. أيضا ومنهم من يرميه بالعظائم”