سنن الله في الكون
أقام الله تعالى الحياة الدنيا على التدافع بين الحق والباطل؛ حتى يتميز الصادق ويتبين المخادع، ويصير كل امرئ على عمله شهيدًا، ويفوز المؤمنون بالثواب والأجر العميم، ويبوء المبطلون بالخسران والعذاب. وهذا التدافع، الذي هو سُنّة إلهية كبرى، يقوم على سنن أخرى أو قوانين عديدة، نتعرف على بعضها في هذا المقال. قال تعالى عن سنة التدافع والحكمة منها: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة: 251)، وقال أيضًا: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لهدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: 40).
1- التدافع سنة ماضية
وأول هذه السنن أو القوانين التي تقوم عليها سنة التدافع- تلك السنة الإلهية الكبرى- أن التدافع سنة ماضية، زمانها ممتد بزمان الدنيا. فالجولات بين الحق والباطل لا تعرف حدود الزمان، ولا نهاية لها إلا بنهاية الدنيا نفسِها؛ فَمِن مقتضيات الابتلاء أن يكون أهل الحق وأهل الباطل في تدافع مستمر، وفي جولات متعاقبة، لا تنتهي واحدة منها حتى تبدأ أخرى.. ومرة ينتصر هؤلاء ومرة أخرى ينتصر أولئك.. إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً..
2- لو شاء الله لانتصر منهم
ومن سنن التدافع، أنه يكون بين الناس، من فريقَيْ الحق والباطل.. ولو شاء الله تعالى لأهلك أصحاب الباطل بقدرته وبجنوده الكثيرة التي لا تحصى ولا تغلَب.. ولكنه سبحانه أراد هذا التدافع بين الفريقين، لِيؤجر أهل الحق، وليتحقق الاختبار والابتلاء. قال تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد: 4- 7)
3- الله لا يعجل بعجلة أحدكم
حينما تقع المعركة بين الحق والباطل، ويشتد أوارها، يود البعض أن لو عجَّل الله تعالى لهم النصر، حتى إن أحدهم ليتساءل: كيف يقع هذا الظلم، ثم لا تتدخل الملائكة لتحسم الأمر!
سنن الله في الكون
4- الحق منصور في نفسه.. منتصر بالمؤمنين
نعم، فالحق دائمًا منصور؛ لأنه يستحق النصر بذاته.. ولكن هذا الأمر لكي يتحقق في الواقع، يحتاج إلى أن يبذل له المؤمنون الأسباب التي ينتصر بها الحق في دنيا الناس، وفي جولات التدافع.. فالإسلام دين الله الحق، وكلمته المحفوظة، ورسالته الخاتمة.. وهو منصور في نفسه، من حيث هو الحق.. ولابد ليكون واقعًا متحققًا، أن ينتصر له المؤمنون، وأن يبذلوا له الأسباب الصحيحة الموصلة للنصر. وأما نراه من عدم غلبة الحق، فيرجع إلى عدم اتباع الأسباب الصحيحة، لا إلى أن الحقَّ باطلٌ في نفسه.
5- المؤمن مأجور على كل حال
فالمؤمن ينال الأجر على أي حال انتهت إليه الجولة من جولات التدافع بين الحق والباطل؛ إن انتصر عاش كريمًا وفاز بالأجر، وإن قُتل مات شهيدًا وفاز بالأجر.. فهل بعد ذلك يتخلف أحد عن تلبية نداء الحق، والانحياز لصفه، وبذل الغالي والنفيس لنصرته؟!
6- انشغل بالأسباب لا النتائج
في التدافع بين الحق والباطل، احرص على أن تكون مع الحق دائمًا، وأن تنشغل بالأسباب لا بالنتائج. وليس هذا معناه ألا تخطط للنصر أو أن تستسلم للهزيمة حين تقع ولا تحاول التغلب عليها والانتصار مرة أخرى.. وإنما أن تبذل الأسباب الصحيحة، وتستعد بالعدة اللازمة، موقنًا أن الله تعالى سينصرك ولا يضيع عملك.. لأن المؤمن، كما سبق، فائزٌ في الحالتين.