زمـن الـمـذلـولـين
صدرت عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ترجمة كتاب المفكر الفرنسي برتران بديع Le Temps des Humiliés: Pathologie des Relations Internationales تحت عنوان زمن المذلولين: باثولوجيا العلاقات الدولية،
يركز برتران بديع في الكتاب على إشكالية الإذلال في النظام الدولي باعتبارها “باثولوجيا اجتماعية” ترسم العلاقات فيما بين الدول. وحاول مقاربة الإذلال، ليس بوصفه مادةً تدَّرس من منظور نفسي – اجتماعي، وإنما بوصفه مبدأً منظّمًا للنظام الدولي الحالي مع تحوّله إلى عنصرٍ مهيكِلٍ للعلاقات الدولية. فيرى أنّ الدول الصاعدة في آسيا وأميركا اللاتينية تشعر أن ما عانته من إذلال وقهر يشكّلان الأساس الذي يربط بينها لتكوّن مجموعةً تسعى لتأكيد مكانتها في الساحة الدولية. ومن ثمّ، لم يعد في الإمكان حاليًا اعتبار “سائر أنحاء العالم” دولٌا ملحقة بالغرب،
بل لا بد من الاقتناع أنّ الضعيف في العالم بات يدرك أنّ بإمكانه أن يؤثر في التوازنات الكبرى وفي القوى القديمة. فما يحصل من صراعات وإرهاب، إنما مرده إلى الشعور بالإهانة والإذلال. لذلك أصبح الإذلال موضوع بحث ودراسة سعى الكاتب من خلاله إلى تقديم رؤيةٍ حول الكيفية التي يفرض فيها الإذلال على الآخرين مكانة لا تليق بهم ولا يرضونها. فالحرب في الزمن الحاضر ما عادت هزيمة فردية لأمير أو قائد في ميدان المعركة – كما كان يحصل في العصور الغابرة – بل هي لشعوب وأمم باتت معنية مباشرة بما يحصل. علاوة على ذلك، يرى بديع أن القوى الغربية تخطئ في تصنيفها الدول الأخرى في مرتبة أقل مكانةً وشأنًا.
زمـن الـمـذلـولـين
ينطلق بديع في الفصل الأول من كتابه.. الذي حمل عنوان “أفخاخ الحياة المشتركة للشعوب” .. من فرض أساسي وهو أن الشأن الدولي يصير اجتماعيًا .. وتزداد صورته التي شبهها بعملية تكتونية (تغير ضخم يصيب تركيب المجتمعات) .. ذلك بالتزامن مع تكثيف التجارة الدولية نشاطها على نحو هائل.. أيضا وكذا الطريقة التي يُنظَّم بها الإنتاج، تتسم بأهمية بالغة.. لأنها تعبر عن حياة الكائنات البشرية.
يشخّص بديع النظام الدولي بأنه مصابٌ بمرض الإذلال.. وهو ما يرويه وينتج إستراتيجيات ويثير ردّات فعل من كل الأنواع.. كذلك تقوده إلى عمليات التقييد الأكثر تعقيدًا.. إن رسوخ الإذلال في النظام الدولي الحالي .. أيضا هو حصيلة ثلاثة أبعاد يتناولها بديع في القسم الثاني من الكتاب .. كذلك ويخصص لكل منها فصلًا بذاته.. وأول هذه الأبعادالعوامل هو ما يسميه بديع “اللامساواة التأسيسية” أو الماضي الكولونيالي.. أيضا فقد انبثق النظام الدولي من تفكك النظام الكولونيالي .. في عملية غير منضبطة وجائرة شملت أكثر من ثلثي الدول الحالية.