لا شك أنه عند ذكر كلمة رابعة -المدينة الفاضلة- .. لابد أن يتبادر إلى عقلك تلك الخمسة و الأربعون يوما .. و ليلة التي كانت على أرض الصمود .. أرض رابعة ، تلك الليالي التي كانت من أروع ما يكون .. حيث النفوس التي تطهرت من كل نوازعها الدنيوية .. ومن كل ما داعب الرؤوس يوما من ملذات الحياة .. سواء المادية أو السلطوية .. بل تسامت النفوس وارتفعت .. فلم تعد تطلب غير شيئا واحدا .. وهو عودة الشرعية لكي يعيش وطن بأكمله بكرامة وعزة.
تلك النفوس تسامت وتطهرت وتركت ملذات الحياة وجلست في الخيام احتجاجا على غاصب لأرض عشقوها، وتمنوا أن تعود لأصحابها الحقيقيين.
و حيث أن الشرعية في مفهوم هؤلاء الأبطال كانت تمثل خطوة حقيقية على طريق الحق ، حيث الوصول إلى سيادة الإسلام على أراضي الدول الإسلامية، ليحكم بما أمر الله من عدل ومساواة ، فيندثر أمامه كل مظاهر الفساد التي انتشرت على أراضي هذه الدول الإسلامية،والتي لم تأخذ من الإسلام غير الاسم و فقط ، حيث أنه ديانتها الأولى ، ولكن في نفس ذات الوقت تنتشر فيها كل وسائل الفساد التي ما انزل الله بها من سلطان .
وكان لهذا الاعتصام شكل وروح اختلفت عن أي اعتصام أخر قد رآه العالم من قبل ، وكان أهم ما يميزه أنه اعتصام للأتقياء من شعب مصر باختلاف أطيافه وانتماءاته وحتى ديانته ، فقد تواجد في الميدان كل أطياف الشعب المصري من الأنقياء فقط ، الذين يعلمون جيدا معنى أن يحدث انقلاب على سلطة ،والى ما سيؤدي إليه ذلك من تخلف قد يدوم لأعوام كثيرة .
مظاهر الاعتصام في رابعة
كان الاعتصام في رابعة مختلفا عن أي اعتصام قد عاشه العالم اجمع،فكان يسمى ميدان الصمود، حيث أن الكل ترك بيته وحياته ،وقد صمم على الجلوس في الميدان حتى النصر ، فأصبح مكانا للمعيشة الكاملة،حيث وجود أماكن لطهي الطعام ،وأماكن
أخري لغسل الملابس، ومشفى لعلاج المصابين ،وحتى أماكن لترفيه الأطفال .
هؤلاء الأطفال جيل يناير الذي تلمس الوعود بأشياء كثيرة جميلة ويعلم أن الرئيس مرسي هو الممثل الشرعي الذي سينجز كل هذه الوعود .
أيضا كان ميدانا يصلي كله في وقت واحد ،ويدعوا بصوت واحد ،عبر منصة تجمع الميدان كله كمنبر إعلامي له، فتذاع عبره الأناشيد والأدعية وكلمات المشاركين وأخبار المسيرات ،التي تخرج من الميدان كل يوم لا يعلم من سيرجع فيها مره ثانية ومن سيخرج لينال شهادة في سبيل الله .
ميدان استوت فيه الحياة والموت ، فكله في سبيل الله ، فكانت الروح دائما في حالة تأهب واستعداد في منظر جميل لم تألفه الناس من قبل ، مما جعل أهل رابعة يعيشون حالة من السمو الروحي العجيب في هذا الزمن .
كان في رابعة أشخاص أخلاقياتهم اقتربت من الصحابة ، وحياتهم أيضا ، حيث يودعون شهيدا ويقيمون حفلا لعقد قران ويستقبلون مولودا جديدا ، أناس فهموا معنى الحياة الحقيقي الذي تمثل في هذا المجتمع الروحاني .
حياة دامت قرابة الشهر والنصف حتى أمر الجلاد بفض هذا الميدان ، ليبعثر القلوب ويشتت هذه الأرواح التي ما أرادت غير وطن يعيش بعزة وكرامة ، ولكن دائما الظالم لا يستوعب غير رغباته الدنيوية التي تتمثل في السلطة ، وتأبى ألا تقضي على كل مظاهر الحرية والكرامة الإنسانية .
كانت رابعة ولا تزال تعيش بداخل كل مسلم نقي طاهر يعلم معنى الحرية والكرامة وستظل رابعة كأجمل ذكرى في قلوب من سكنها يوما .