حروب الفرسان هي الحروب في العصر الإسلامي ، عصر النبوة والخلفاء والتابعين ؛ حيث وضع أسسها الفارس الأعظم في التاريخ ؛ النبي ذو الخلق العظيم محمدا صل الله عليه وسلم .
كنا قد تحدثنا من قبل عن الفتوحات الإسلامية ، وأثبتنا أنها تم الافتراء عليها تارة بعدم وضوح أهدافها ، وتارة أخرى بالإجبار على الدخول في الإسلام .
وقد وفقنا في إثبات عكس كل هذه الاتهامات ؛ حيث أنها كانت ذو أهداف عظيمة ونبيلة ، وأهما هو التحرر من عبادة العباد إلى ما هو ابعد من عبادة رب العباد ؛ بل إلى المفهوم الأعلى بحرية الاختيار في العبادة (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) لكن بعد وصول الفكرة ونشرها .
فما بالك لو علمت أن كل هذا أيضا كان وفقا لقواعد وآداب وأخلاقيات في الحرب ، ليس لها مثيل ، لا من قبلها ولا بعدها في ظل كل ما يدعونه من تقدم .
فما هي آداب الحرب في الإسلام ؟
وآداب الحروب في الإسلام ليست مجرد توصيات وأقوال ، بل هي ممارسات بحق ، لم يسجل التاريخ عكسها ولو لمرة واحدة وهي :
أولا: عدم قتل الشيوخ والنساء والأطفال:
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي قادة الجند بالتقوى ومراقبة الله تعالى ليدفعهم إلى الالتزام بأخلاق الحروب، ومن ذلك أنه يأمرهم بتجنب قتل الولدان ؛ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي ( ولا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا طفلا ، ولا صغيرا، ولا امرأة ).
ثانيا: عدم قتل المتعبدين:
فقد أخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صل الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه يقول لهم (لا تقتلوا أصحاب الصوامع ) .
ثالثا: عدم الغدر:
وقد وصلت أهمية هذا الأمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تبرأ من الغادرين ، ولو كانوا مسلمين ، ولو كان المغدور كافرا ؛ فقد قال صل الله عليه وسلم ( من أمَّن رجلا على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرا.(
وقد ترسخت قيمة الوفاء في نفوس الصحابة رضي الله عنهم حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه في ولايته أن أحد المقاتلين قال لمحارب من الفرس لا تخف. ثم قتله، فكتب رضي لله عنه إلى قائد الجيش إنه بلغني أن رجالا منكم يطلبون (الكافر) ، حتى إذا اشتد في الجبل وامتنع يقول له لا تخف. فإذا أدركه قتله، وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحدا فعل ذلك إلا قطعت عنقه.
رابعا: عدم الإفساد في الأرض:
فلم تكن حروب المسلمين كالحروب المعاصرة ؛ التي يحرص فيها المتقاتلون من غير المسلمين على إبادة مظاهر الحياة لدى خصومهم ، وظهر ذلك جليا عندما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في وصيته لجيوشه المتجهة إلى فتح الشام ( ولا تفسدوا في الأرض)
وجاء أيضا في وصيته ( ولا تُغرقُن نخلا ولا تحرقنها، ولا تعقروا بهيمة، ولا شجرة تثمر، ولا تهدموا بيعة )
خامسا: الإنفاق على الأسير:
فالإنفاق على الأسير ومساعدته مما يثاب عليه المسلم، وذلك بحكم ضعف الأسير وانقطاعه عن أهله وقومه، وشدة حاجته للمساعدة، فقد ذكر القرآن الكريم
( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) سورة الإنسان
سادسا:عدم التمثيل بالميت:
فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال عمران بن الحصين رضي الله عنه (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَانَا عَنِ المُثْلَةِ)
ولم ترد في تاريخ رسول الله صلى الله عليه وسلم حادثة واحدة تقول بأن المسلمين مثلوا بأَحد من أعدائهم.
هذه هي أخلاق الحروب عند المسلمين.. تلك التي لا تلغي الشرف في الخصومة، أو العدل في المعاملة، ولا الإنسانية في القتال أو ما بعد القتال.
فكيف لحروب غايتها وأهدافها ووسائلها بهذه العظمة ، وتكون كما يصفونها ويتهمونها ؟؟ ولكن هكذا هم أعداء الإسلام على مر التاريخ يزيفون الحقائق ويلبسون الحق بالباطل .
هكذا هم على مر التاريخ فيقع على عاتق المسلم أمرين ؛ أولهما أن يحاول دائما التفكر فيما يقال ، وان يجدد تصوراته ، وينمي عقله حتى يستطيع الوعي لما يحاك ضده من تجهيل وتسطيح وخداع ، وثانيهما أن يعلم أولاده دائما كيف يفرقون بين الحق والباطل وألا ينخدعوا بما يصل إليهم ، حتى يظل هذا الدين قويا بأبناءه .