انقلاب النيجر وصراع القوي العالمية
النيجر الدولة الواقعة جغرافيا في غرب افريقيا , هذه الدولة الحبيسة الغارقة في الفقر حيث تقع في ذيل الترتيب العالمي للدول الأكثر فقرا بترتيب 189 من 189 دولة ,
ويعيش 41.4% من سكان النيجر في فقر مدقع وفق البنك الدولي،
وهي من اكبر دول الغرب الإفريقي مساحة , حيث تفوق المليون وربع المليون كم مربع .
إلا أنها في المقابل واحدة من الدول الرئيسية المنتجة لليورانيوم، حيث تحتل المرتبة الرابعة بين الدول المنتجة له، ويعد السلعة الرئيسة في صادراتها،
وهو ما دفع البعض إلى محاولة الربط بين الانقلاب الذي تشهده النيجر حاليا ومحاولات السيطرة على هذا الكنز.
وتحتكر المجموعة النووية الفرنسية “أورانو” (أريفا السابقة) استغلال اليورانيوم هناك لمدة 50 عاما في شمال البلاد،
حيث تعتمد فرنسا على النيجر في الحصول على 35% من الاحتياجات الفرنسية من اليورانيوم لمساعدة محطاتها النووية في توليد 70% من الكهرباء.
أن المناجم في النيجر تحتوي على اليورانيوم بتركيز اقتصادي كبير،
إذا إن اليورانيوم عندما يكون موجودا في الصخور بنسبة أقل من 1 في الألف يكون غير اقتصادي،
لكن عندما ترتفع هذه النسبة يكون استخراجه مجديا اقتصاديا، وهو ما يتحقق في مناجم النيجر.
انقلاب النيجر وصراع القوي العالمية
ففرنسا، الشريك الأول للرئيس محمد بازوم المنقلب عليه، نشرت أخيراً مزيداً من قواتها على رغم أن البلاد تحتضن قاعدة عسكرية فرنسية،
غير أن روسيا، صاحبة اليد الطولى في دول الساحل الأفريقي والشريك العسكري والاقتصادي الأول لمالي وبوركينا فاسو،
أيضا لا تزال تطمح إلى نسج علاقة استراتيجية مع النيجر المحتمية بأحضان باريس، فيورانيوم النيجر وموقعها الاستراتيجي
ونهرها الذي استمدت منه اسمها عوامل تغري القوى العالمية لإيجاد موطئ قدم لها في بلاد الجبال الزرقاء ومهد شعب الطوارق الملثمين.
نالت النيجر استقلالها من المستعمر الفرنسي في مطلع ستينيات القرن الماضي،
ومنذ ذلك التاريخ شهد البلد الذي تشكل عرقية “الهوسا” نصف سكانه إضافة إلى العرب والطوارق وقبائل التوبو،
أربعة انقلابات عسكرية كان آخرها تحرك الأمن الرئاسي ضد الرئيس المنتخب محمد بازوم.
انقلاب النيجر وصراع القوي العالمية
ينتمي الرئيس محمد بازوم إلى أقلية عرقية لا تعترف بمواطنتها الأغلبية، إذ ينتمي إلى العرب الذين لا يمثلون سوى 1% من مجموع السكان، فضلا عن حداثة وجودهم على أرض النيجر.
وواجه بازوم انتقادات عرقية من معارضيه، إذ وصفوه إبان الحملة الانتخابية الرئاسية بدايات عام 2021 بأنه ليس نيجرياً صافياً، في إشارة إلى أن أصوله العربية تجعله غريباً عن عموم السكان الذين ينحدرون من قبائل أفريقية خالصة لا تخالطها دماء عربية.
هذا وظلت التركيبة الإثنية في النيجر موّلداً للأزمات السياسية في البلد المترامي الأطراف،
أيضا فقد سبق للطوارق أن نظموا تمرداً في شمال الدولة عولج بمحاصصة كبيرة لمصلحة هذه الأقلية.
وعلى الرغم من أن النيجر مع بلدان أفريقية أخرى وفية لفرنسا، إلا أن ذلك لا يجعلها في مأمن من الاختراق الروسي الذي أحدثته موسكو في المنطقة،
انقلاب النيجر وصراع القوي العالمية
النيجر في عهده ” الرئيس بازوما ” وسيراً على نهج سلفه محمدو إيسوفو ظلت عصية على تأثير موجات الاحتجاجات الشعبية المناهضة لفرنسا في منطقة الساحل،
ففي أوج تلك التظاهرات صادق برلمان نيامي على نشر مزيد من القوات الفرنسية
على رغم أن البلاد تحتضن أصلاً قاعدة عسكرية فرنسية
لكن منذ أشهر حدثت فجأة انفراجة في علاقات النيجر وجارتها الغربية عندما زار مالي وفد عسكري رفيع بقيادة قائد الأركان حينها الجنرال ساليفو مودي،
ذلك قبل أن يقيله بازوم لاحقاً ويعينه سفيراً للبلاد لدى الإمارات العربية المتحدة.
اهتمام مالي بالنيجر بحاجة موسكو إلى إقامة علاقة مع الأخيرة لزيادة حلفائها في المنطقة،
كذلك وتريد روسيا أن يكون حاكم باماكو الجديد غويتا عراب تغلغلها في المنطقة،
أيضا وقد يكون نجاح عسكريي مالي في مد الجسور مع نظرائهم النيجريين
وراء التخلص من بازوم وتحقيق اختراق روسي جديد في المنطقة.
في توقيت انقلاب النيجر وهي أنه “تزامن مع القمة الروسية – الأفريقية الثانية التي يشارك فيها الرئيس المالي عاصيمي غويتا على رأس وفد من نحو 80 شخصاً،
وباتت روسيا وجهته الخارجية الأولى منذ تنصيبه رئيساً انتقالياً في يوليو (تموز) 2021″.
أيضا جدير بالذكر أن انتماء بازوما إلى الحزب الحاكم (حزب النيجر من أجل الديمقراطية والاشتراكية) أهّله للترشح لأعلى منصب في البلاد،
ذلك فضلا عن كونه صاحب تجربة في عدد من الوزارات، حيث شغل وزارتي الخارجية والداخلية، إضافة إلى منصب نائب الرئيس،
أيضا وما يصفه البعض باتفاق سري بينه وبين سلفه محمد إيسوفو على تطبيق نظرية (بوتين- ميدفيديف)،
أي تبديل المناصب بين الرئيس ونائبه، التي حدثت في روسيا بين رئيس الوزراء وقتها فلاديمير بوتين والرئيس السابق ديمتري ميدفيديف.
التركيبة الإثنية في النيجر
وظلت التركيبة الإثنية في النيجر موّلداً للأزمات السياسية في البلد المترامي الأطراف،
فقد سبق للطوارق أن نظموا تمرداً في شمال الدولة عولج بمحاصصة كبيرة لمصلحة هذه الأقلية.
الحرس الرئاسي هو الجهة التي نفذت الانقلاب وتلت البيان الأول،
لكن بعد يوم واحد انحاز الجيش للحرس الرئاسي مؤيدا للانقلاب،
أيضا وتم إعلان قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تياني رئيسا للمجلس الانتقالي،
ذلك بصفته “رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن”، أي المجلس العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم.
لم يعترف الرئيس المعزول بالانقلاب ولم يوقع على قرار التنازل، بينما أضرم مؤيدو الانقلاب النار في مقر الحزب الحاكم.
وتعرض انقلاب الحرس الرئاسي في النيجر إلى سيل من الانتقادات والرفض، أولا لكون الرئيس المعزول يعتبر من أقوى حلفاء الدول الغربية،
أيضا ثانيا لكون النيجر أحد أهم المعاقل التي تتركز فيها القواعد الغربية،
كذلك ففرنسا تحتفظ بـ4 قواعد، وأميركا بقاعدة واحدة ووجود أمني كبير، كما تعتبر النيجر مركزا لتدريبات قوات حلف الناتو مؤخرا،
فضلا عما تذخر به البلاد من الموارد المعدنية خاصة اليورانيوم الذي تملك النيجر ثاني أكبر احتياطي منه، إضافة إلى الماس والذهب والفحم.