اليهود بين القرآن والتاريخ
بنو إسرائيل بين السرد القرآني و الرواية التاريخية
وأنا أجول في آيات القرآن الكريم قارئا ومستمعا يراودني السؤال الملح دائما كما يراود غيري لماذا كانت قصة بني إسرائيل من أطول القصص في القرآن الكريم على الإطلاق؟!
فهل الإسلام كما يقول بعض المتأثرين بالقراءة التاريخية مجرد إعادة صياغة جديدة لتعاليم الديانة اليهودية المغلقة لمواجهة المسيحية العالمية؟ لكن المتأمل في تفاصيل الحجاج بين القرآن واليهود ورغم الجذر الواحد للديانتين السماويتين يجد أن موقف القرآن كان دائما على النقيض من موقف الإسرائيليين من كثير من القضايا العقدية والأخلاقية والسلوكية. بل إن القرآن يحذر في كثير من الأحيان أن يسلك المسلمون سلوك بني إسرائيل كما في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها)، (الأحزاب 69).
فما هو السلك الناظم للسرد القصصي الطويل عن التجربة الإسرائيلية مع الأنبياء والرسل مع العلم أن القصص القرآني ليس مقصودا لرموز القصة ومكانها وزمانها وأبطالها، بل إن غاية القصص كما بين القرآن نفسه هي الوقوف عند دروسها وعبرتها المؤبدة في التجارب الإنسانية.
إن المتأمل في كل المؤاخذات القرآنية على بني إسرائيل يجد أنه ثمة فكرة مركزية تدور حولها القصص، ألا وهي الرؤية المادية الشمولية لكل الأشياء للإيمان والإله والسياسة والأخلاق والعلاقة بالمال والعلاقة مع الآخر والعلاقة بينهم وبين الله تعالى، نجد في كل هذه المفاهيم احتكاما واضحا للمعايير المادية البحتة والنفعية الأنانية الضيقة، وهنا يمكن الوقوف على بعض هذه النماذج
اليهود بين القرآن والتاريخ
في تصورهم للإله وإيمانهم به
كما أن في تصورهم للإله لم يستطع الإسرائيليون الخروج من تصورهم المادي للإله .. فبعد أن نجاهم الله تعالى من فرعون وجنوده طلبوا من موسى عليه السلام أن يصنع لهم آلهة من حجارة ليعبدوها .. كما قال تعالى: (قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة)، (الأعراف 138).
أيضا في علاقتهم مع الآخر “الأميين”
برر الإسرائيليون استباحة أموال المغايرين لهم وخيانة أماناتهم بذريعة أنهم على غير دينهم .. فقالوا: (ذٰلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)، (آل عمران 75).. أيضا ولم يتوقفوا عند ذلك بل جعلوا من النظام الربوي هو الإطار السائد للتعامل مع المحتاج .. ذلك بحثا عن النفع الدنيوي بعيدا عن كل معاني الإحسان والرحمة..
اليهود بين القرآن والتاريخ
في علاقتهم بالله تعالى
كذلك لم يتصورا أن تكون علاقتهم بالله تعالى علاقة عبد برب وإنما علاقة نسبية… وقد رد القرآن عليهم ليس بنفي العلاقة النسبية فحسب وإنما بإثبات طبيعتهم البشرية التي تشابه كل البشر.. كما قال تعالى: (وقالت اليهود والنصارىٰ نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق)، (المائدة 18)..
في صراعهم مع أعدائهم
لم يؤمن الإسرائيليون إلا بالقوانين المادية في حسم صراعهم مع الباطل فرغم كل المعجزات التي جاء بها موسى إلى فرعون بقي الإسرائيليون.. أيضا أسيروا الموازن المادية في حسم خياراتهم فما أن وصلوا إلى شاطئ اليم وفرعون من ورائهم .. حتى قالوا لموسى.. (قال أصحاب موسىٰ إنا لمدركون)، (الشعراء 61)،