قال صلى الله عليه وسلم ” من أمَّن رجلا على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرا”.
كنا تحدثنا في المقال السابق عن بعض أسباب الفتوحات الإسلامية ، مع ذكر آداب الحرب في الإسلام وهذا لتبيان أمرين ؛ احدهما هو براءة هذه الفتوحات من الاتهام الباطل بأنها كانت مجرد استعراض قوة ، ولم يكن لها داع ، والأخر هو تبيان لأخلاقيات هذه الفتوحات بصفة خاصة والحروب في الإسلام بصفة عامة ؛ والتي لها دلالتها في الافتراء على الإسلام واتهامه بالدموية .
لذلك فهيا بنا نعرف لماذا كانت الفتوحات الإسلامية .
فقد كانت الفتوحات الإسلامية حرب وقائية لحماية الدولة الإسلامية ، هذه الدولة الوليدة الفتية التي أقامها الإسلام في المدينة ، ودولة شريعة ورسالة ، فقد كانت دولة أيديولوجية تحمل دعوة عالمية ، للبشر جميعا، وهي مأمورة بتبليغ هذه الدعوة ، التي تشتمل على أعلى معاني الرحمة ، ومن شأن هذه الدولة أن يتم مقاومتها ومحاربتها من قبل القوى المتسلطة في الأرض ،و التي ترى في رسالة هذه الدولة ومبادئها خطرا عليها. فإذا لم نحاربها اليوم، فلا بد أن نحاربها غدا، كما تعلمنا من تجارب التاريخ ، وكما تقتضيه سنن الله تعالى في الكون والمجتمع؛ ولهذا كانت هذه الحروب نوعا من أنواع (الحرب الوقائية) حماية للدولة من المخاوف والأطماع المتوقعة من جيران لها يخالفونها في الأيديولوجية ويختلفون معها في المصالح ، ويعتبرونها مصدر خطر عليهم.
وأيضا فقد كانت من أحد أهم أسباب الفتوحات الإسلامية هي الردة حيث اشتعل الخلاف بين أصحاب الرسول بعد وفاته مباشرة بشأن موضوع خلافة الرسول والسيطرة على السلطة، فالأنصار طالبوا بالخلافة، وكذلك طالب المهاجرون بها في مكة المكرمة، ومن أجل ذلك اجتمع أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، واستطاعوا إقناع الجميع بأن أبا بكر الصديق هو الأنسب لخلافة الرسول محمد، فقد كان خبر وفاة الرسول بمثابةِ الصدمة للجميع، وفي الوقت نفسه كان ذريعة لبعض القبائل العربية بالتنصل من سيطرة مكة عليهم ؛ بسبب النزعات القبلية في الجزيرة العربية، إضافة إلى فرصة التهرب من الزكاة التي فرضها عليهم الإسلام.
كانت الردة حدثا كبيرا في تاريخ الإسلام وتهديدا له في مراحله الأولى، ومن هنا كان القرار بمواجهة هذه الظاهرة بطريقة حازمة وشديدة من قبل خليفة المسلمين الأول أبي بكر الصديق .
ولا شك أيها القارئ اللبيب أن هذه الأسباب التي دفعت إلى القيام بحروب الفتح الإسلامي لم تكن بالغير منطقية ، أو بذات الأسباب الهينة التي تجعل من المستشرقين ، وأعداء الإسلام يتهمون الفتوحات الإسلامية بالدموية ، لاسيما إذا علمنا أن هذه الفتوحات كانت تراعي آداب الشريعة الإسلامية في الحروب ، والتي هي من ارقي وأعظم الآداب ، والتي لم نعد نراها تمارس في أي حروب في العالم ، من أي دولة مهما ادعت من إنسانية ، ومراعاة حقوق الإنسان .
فإن دل ذلك على شيء فليس أكثر من انه مجرد افتراء بحت ؛ حيث أنهم يتهمون الإسلام بالدموية وهم يمارسون الدموية بأبشع صورها ،والإسلام بنصوصه وبفعله الحقيقي بريء مما يفترون به عليه .
فمن آداب الحرب في الإسلام هي ما جاء في أفعال الرسول صل الله عليه وسلم وأصحابه وما أوصوا به قيادات جيوشهم .
وسنستكمل هذه الآداب في مقال لاحق حيث سيطول شرحها حتى يتسنى لنا أن نتحدث عنها بشكل مفصل .