الفتاوى الشاذة
الواجب قبل الكلام عن المستفتي أن نبدأ بالمفتي نفسه ، فنقول : يجب على كل مسلم أن يحفظ عليه لسانه في الكلام على شرع الله تعالى بما لا يعلم ، وليعلم كل مسلم أن القول على الله تعالى بغير علم من كبائر الذنوب ، بل قد قرنه الله تعالى بالشرك ، فقال : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33 .
قال ابن القيم رحمه الله :
“فرتَّب المحرمات أربع مراتب ، وبدأ بأسهلها ، وهو الفواحش ، ثم ثنَّى بما هو أشدُّ تحريماً منه ، وهو الإثم والظلم ،
ثم ثلَّث بما هو أعظم تحريماً منهما ، وهو الشرك به سبحانه ، ثم ربَّع بما هو أشدُّ تحريماً من ذلك كله ،
أيضا هو : القول عليه بلا علم ، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، وفي دينه ، وشرعه” انتهى .
” إعلام الموقعين ” ( 1 / 38 ) .
الفتاوى الشاذة
وقد رأينا في زماننا هذا عجباً ، رأينا السياسي يفتي ، والممثل يفتي ، والإعلامي يفتي ، بل حتى الراقصة تفتي! وأصبحت الفتوى حقاً لكل من هبَّ ودبَّ ، وصار أهل الباطل من أصحاب القنوات الفضائية ، والصحف اليومية والأسبوعية يلمعون هؤلاء ، ويقدمونهم للناس على أنهم أصحاب علم ، وأهل هدى ، وعلى مثل هذا بكى ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ الإمام مالك رحمه الله ، ففي ” إعلام الموقعين ” لابن القيم ( 4 / 207 ، 208 ) قال : رأى رجلٌ ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن يبكي ،
فقال : ما يبكيك ؟ فقال : استُفتي مَن لا علم له ، وظهر في الإسلام أمر عظيم ، قال : ولَبعضُ مَن يفتي ههنا أحق بالسجن من السرَّاق .
وليعلم المفتي أنه يوقِّع عن ربه تعالى بما ينسبه للشرع من أحكام ، وقد كان السلف الصالح يتدافعون الفتيا ،
أيضا وكلٌّ يحول السائل إلى غيره ، حتى تعود للأول منهم ، والجرأة والعجلة في الفتوى ليستا محمودتين من صاحبهما ،
بل الواجب التأني ، والتمهل ، قبل إصدار الفتوى .
قال أبو شهاب الحناط : سمعت أبا حصين – وهو عثمان بن عاصم – يقول : إن أحدهم ليفتي في المسألة ، ولو وردت على عمر : لجَمَع لها أهل بدر .